يبدو أن جورجيا اعتادت على تقديم الأشخاص الجدليين عبر تاريخها، ربما لموقعها الجيوبوليتيكي بين جبال القوقاز والبحر الأسود وبحر قزوين، أو بفعل الصدفة المحض. مسار طويل خطته تبليسي تاريخياً، من جوزيف ستالين إلى إدوارد شيفاردنادزه وميخائيل ساكاشفيلي وصولاً إلى سالومي زورابيشفيلي، الرئيسة الجديدة التي أعلن فوزها يوم الخميس. حكايتها لافتة، فعدا عن كونها ثاني امرأة تتولى منصب الرئاسة في جورجيا، بعد نينو بورزانادزه (على فترتين: الأولى بين 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 و25 يناير/ كانون الثاني 2004، والثانية بين 25 نوفمبر 2007 و20 يناير 2008)، إلا أنها أول امرأة تُنتخب رئيسةً، كون بورزانادزه كانت تتولى أعمال الرئاسة بصورة مؤقتة. كما أنه سبق لها أن كانت سفيرة لفرنسا في جورجيا، قبل أن تصبح وزيرة خارجية جورجيا، بفعل امتلاكها الجنسيتين الجورجية والفرنسية.
زورابيشفيلي البالغة من العمر 66 عاماً، هي ابنة مهاجر فرّ من بطش ستالين في جورجيا إلى العاصمة الفرنسية باريس في عام 1921. درست في معهد الدراسات السياسية في باريس، ثم درست الماجستير في جامعة كولومبيا في نيويورك في 1972 ـ 1973، حيث خضعت لدروس على يد الراحل مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبيغنيو بريجنسكي، أحد أكبر المؤثرين في السياسات الخارجية الأميركية في عهود جون كينيدي وليندون جونسون وجيمي كارتر، وأحد صنّاع معاهدة كامب ديفد بين مصر وإسرائيل، وتطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، ومنظر التعاطي مع الاتحاد السوفييتي. تخلّت زورابيشفيلي عن دراستها سريعاً، وانضمت إلى وزارة الخارجية الفرنسية في عام 1974، وتنقلت في مهمات دبلوماسية فرنسية بين إيطاليا والولايات المتحدة وبلجيكا والأمم المتحدة.
أسست زورابيشفيلي حركة باسمها في عام 2005، قبل تأسيسها حركة "الطريق الجورجي" عام 2006، منتقدة نظام الحزب الواحد في البلاد. شاركت في الانتخابات البلدية في 5 أكتوبر 2006، ونالت 2.77 في المائة من الأصوات فقط. بعد ستة أشهر ارتفعت شعبيتها في البلاد، وكشف استطلاع للرأي أنها "قادرة على الحصول على 23.1 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية". واعتباراً من أكتوبر 2007، بات حزبها جزءاً من "الحركة الوطنية المتحدة" المعارضة، التي رشّحت زورابيشفيلي لتكون رئيسة للوزراء، في حال فوز ليفان غاشيشيلادزه، غير أن خسارة الأخير وفوز ساكاشفيلي بدّلا الأمور. وهو ما دفع زورابيفشيلي لتدعو لاستقالة ساكاشفيلي، الذي كان رئيساً إبان الاجتياح الروسي لجورجيا في أغسطس/ آب 2008.
وتؤيد زورابيشفيلي التوازن في علاقات بلادها مع موسكو والغرب، بينما يدعم فاشادزه الذي شغل منصب وزير الخارجية في الفترة بين عامي 2008 و2012، نهجاً أكثر موالاة للغرب. وكان فاشادزه وزيراً للخارجية في الحكومة الموالية للغرب عندما بدأ نزاع بين جورجيا وروسيا التي أيدت منشقين جورجيين. وكان تعديل دستوري قد أضعف سلطات رئيس الدولة لمصلحة مكتب رئيس الوزراء، لكن المنصب الرئاسي ما زال مهماً بصورة رمزية في علاقات تبليسي مع الدول الأخرى.
وفي الجولة الأولى التي جرت في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حصلت زورابيشفيلي على 38.7 في المائة من الأصوات مقابل 37.7 في المئة لفاشادزه. ودعم حزب "الحلم" الحاكم زورابيشفيلي، فيما رُشح فاشادزه ممثلاً لتكتل مؤلف من 11 حزباً من المعارضة بقيادة حزب "الحركة الوطنية المتحدة" الذي ينتمي إليه الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي.