رئاسيات تونس: الأحياء الشعبية قبلة السبسي والمرزوقي

18 ديسمبر 2014
بدا المرزوقي قريباً من الشعب (ميد أمين بن عزيزة/الأناضول)
+ الخط -
يتّخذ التنافس الرئاسي بين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التونسية، أشكالاً عدة، بعد تزايد حدة الصراع على مناطق انتخابية، يُمكن أن تُحدث الفارق في الدور الثاني، خصوصاً أنه يُعدّ ضئيلاً بينهما لكنه قابلٌ للتدارك بالنسبة للمرزوقي، وفرصة فعلية لتعميق الفارق بالنسبة للسبسي.

وبدت الحملتان الانتخابيتان للرجلين أكثر دقة حالياً، كونها تنطلق من استراتيجية ضرب المنافس في شعاراته الكبرى، وتُركّز على التجمّعات السكانية الكبرى. واتخذت الحملتان طابعاً خاصاً في الأيام الأخيرة، بالتركيز المطلق على "الأحياء القصديرية" (بيوت الصفيح) الفقيرة، المتاخمة للمدن، وعلى الطبقات الشعبية المهمشة. استعارت الحملتان استراتيجية انتخابية، تبدو غريبة في سباقٍ على منصبٍ لا قدرة له على تقديم شيء حقيقي للمواطنين، الذين أتعبتهم الظروف الاقتصادية.

رمى المرزوقي والسبسي بكل ثقلهما في هذه الأحياء في الأيام الأخيرة، وتتالت زياراتهما إلى مناطق رمزية، يعرفها التونسيون جيداً. فتوجّه السبسي إلى حي الحلفاويين التاريخي وحي هلال وميناء الصيد البحري، ومدينة توزر في الجنوب التونسي، في محاولة لتلطيف العلاقة مع سكانها. في المقابل، كثّف المرزوقي زياراته إلى أحياء الكبارية والمنيهلة والتضامن، كما توجّه إلى أحياء معيّنة في بنزرت، وماطر وغيرهما من المدن التونسية.

واعتمد المرزوقي تقنية "السير على الأقدام والالتحام بالجماهير"، مكرساً صورة المرشح الديناميكي، الذي يزور أكثر من مدينة في اليوم الواحد، ويلعب كرة القدم وينشر صور "السَلْفي" مع شباب حملته، كما ارتدى أخيراً ربطة العنق، تحت إلحاح مناصريه في اجتماع شعبي كبير. أما السبسي فيعتمد الطريقة الأميركية في الحملة الانتخابية، عبر لقاء أصحاب القرار وذوي التأثير الاقتصادي والثقافي، مع محاولة عدم إهمال الجانب الشعبي.

ويبدو أن كلا المرشحيْن مدرك تماماً أن هذه الأحياء هي التي ستُحدث الفارق فعلاً بعد الخيارات السياسية الكبرى والتحالفات الحزبية، علماً أنهما يبدوان "متفقين" في خطابهما بالخروج عن الصلاحيات المُتاحة دستورياً للرئيس العتيد، نظراً لإغداقهما الوعود بالتنمية والعدالة الاجتماعية وخفض نسبة البطالة وإصلاح البنية التحتية المتدهورة في هذه الأحياء، وهي وعود لا يُمكن أن يفي بها أي رئيس جديد نظراً لصلاحياته التنفيذية المحدودة.

وعلى ما يبدو فإن السبسي والمرزوقي، يعتمدان استراتيجية "إحياء الحلم من جديد"، لدى الفئات المهمشة، التي يظهر أن ظروفها الاجتماعية الصعبة، حالت دون مشاركتها في الدور الأول، وكانت سبباً أساسياً في عزوف حوالي مليوني ناخب تونسي، يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن الانتخاب. بالتالي فإن بعث الأمل فيها من جديد، يمكن أن يقودها الى التصويت لهذا المرشح أو ذاك.

وبالاضافة إلى إدراكهما أهمية هذه المناطق، تسلّح كل منهما بما أمكن من شعارات قريبة من هذه الفئات، الهشة بسيكولوجياً، فركز المرزوقي على شعار "ابن الشعب" و"الرئيس المواطن"، التي سبق للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند استعمالها، من أجل الفوز في الانتخابات الفرنسية عام 2012.

كذلك استخدم السبسي التقنيات عينها، فنزع ربطة العنق بين نساء حي هلال، وبكى على ظروف مواطنة في حي الحلفاويين، وجلس مع مجموعة من الشبان في مقهى مسرح بتونس العاصمة، على مسمع أغنية "راب" شهيرة جداً في تونس.

ونشر كل فريق صور "التلاحم الشعبي" عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، في منافسة على من يكون أقرب إلى الشعب وأكثر إحساساً بظروفه الصعبة. وتدلّ هذه الاستراتيجية على وعي لدى الفريقين، بأن الطبقات الإجتماعية في تونس تشهد متغيرات عميقة، اقتصادية واجتماعية وديمغرافية، بدأت أساساً بتآكل الطبقة الوسطى في تونس واقترابها من الطبقات الفقيرة، كما ارتفع عدد التونسيين الرازحين تحت خط الفقر، كثيراً في الفترة الأخيرة.

ويدرك المرزوقي تحديداً بأن هذه الفئات صوّتت بقوة لـ"نداء تونس" في الانتخابات التشريعية، بسبب ترويجه لفكرة "عودة هيبة الدولة ومقاومة كل الأسباب التي أدّت إلى ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية وتزايد البطالة لدى فئات الشباب"، وبالتالي فإن توجيه جزء من هذه الأصوات إليه، يقود الى منافسته في الأوساط التي دعمته ودعمت حزبه في الانتخابات التشريعية.

وأياّ يكن من مشروعية هذه الشعارات التي يرفعها المرزوقي والسبسي، فإن حلبة الصراع بينهما تحولت من استوديوهات التلفزيونات الى ساحات الأحياء الشعبية، ومنحت الانتخابات تونس حيوية لم تشهدها على مدى تاريخها، وأعطتها أبعاداً جديدة لم تعرفها انتخابات رئاسية عربية من قبل، وعلى الرغم من التشنّج الشديد، فإنها حافظت على سلميتها حتى الآن.

المساهمون