وفي دلالة على ضراوة المعركة الانتخابية، ودقة توزيع الأصوات بينهما، لفت أحد المسؤولين في "الهيئة المستقلة للانتخابات" إلى أنه "في حال تساوت الأصوات بين المرشحين، ستكون الأولوية للأكبر سناً". ويعني هذا أن السباق غير محسوم إلى هذه اللحظة، على الرغم من اعتبار البعض، أن السبسي هو الأوفر حظاً، بحكم انحياز جمهور كل من "الاتحاد الوطني الحر" وحزب "آفاق تونس" وجزء من ناخبي "الجبهة الشعبية"، وكذلك حزب "المبادرة"، وأطراف أخرى عدة، إليه.
وهذا الهاجس هو الذي دفع المرزوقي إلى القول إن "منافسه لن ينجح إلا عبر تزوير النتائج"، في تصريح أثار رد فعل "الهيئة المستقلة للانتخابات"، فحذّرته من "احتمال تهديد المسار الانتخابي بمثل هذه التصريحات الخطيرة"، التي وصفها رئيس الهيئة شفيق صرصار بأنها "غير مسؤولة".
في هذه الأجواء المحمومة والقائمة على الاستقطاب الحاد، يعمل كل مرشح وفق خطة تبدو مدروسة، ويسعى واضعوها إلى مراجعة أخطاء ونقائص الجولة الأولى، مع التركيز على ثغرات المنافس وجوانب الضعف فيه. ويشترك المرشحان في محاولة إيصال أصواتهما إلى المناطق والمدن التي سجّلا فيها نسباً ضعيفة من الأصوات، خلال المرحلة السابقة.
في المقابل، توجه المرزوقي، إلى ولاية سليانة نحو الشمال الغربي، حيث مُنيت أحزاب الترويكا بهزيمة قاسية فيها. وقد حاول هناك إقناع السكان، بأنه "مدرك لحجم التهميش الذي أصابهم قبل الثورة وبعدها، وأنه سيعمل على رفع المظلومية التي تعرضوا لها". احتج جزء من سكان سليانة على زيارة المرزوقي، وذكّروه بحادثة إصابة بعض أبنائها بسلاح "الرش"، بينما كان يدعو السكان في حينه، إلى الانسحاب من مدينتهم، في خطوة رمزية غير مسبوقة.
من جهته، يسعى السبسي في تحركاته وتصريحاته، للتأكيد على ما يعتبره "فشل الترويكا"، في جميع المجالات، تحديداً الاقتصادية والاجتماعية، والقول بأن منافسه تمتع بثلاث سنوات من الحكم، لم يفعل خلالها شيئاً مما وعد به التونسيين. كما يحاول تكريس مفهوم "ثقافة الدولة"، وعمله على إعادة هيبتها، التي كادت أن تتلاشى في المرحلة السابقة، حسب رأيه. وأكد حرصه على إعادة تلميع صورة تونس في الخارج.
كما يحاول السبسي الظهور في صورة "الأب العطوف" الذي يفكر في الفقراء وذوي الدخل المحدود من سكان الأحياء الشعبية، يبكي لأحوالهم، ويعدهم بقرب الفرج في حال نجاحه في الانتخابات. أما سياسياً، فقد بات السبسي أكثر حرصاً على الإصرار بأن "ما يثار عنه وعن حزب نداء تونس بخصوص عودة النظام القديم، لا أساس له من الصحة". واعتبر أنه "لا يُمكن من النواحي الدستورية والتشريعية والقانونية، لأي طرف سياسي، أن يتغوّل أو ينفرد بالسلطة".
كما يحاول السبسي الاستمرار في المناورة حول الموقف النهائي، من إشراك حركة "النهضة" في الحكومة المقبلة أم إبعادها. والحسابات هنا دقيقة وصعبة. لا يريد السبسي قطع شعرة معاوية مع قيادة "النهضة"، التي تواجه ضغوطاً قوية من داخل صفوفها ومحيطها، وآخر مثال على ذلك قرار حمادي الجبالي، الانسحاب من الحركة لأسباب عدة، كان آخرها رفضها الإعلان عن مساندة المرزوقي. في المقابل، هناك رغبة من السبسي للاستفادة من القاعدة الانتخابية لـ"الجبهة الشعبية"، التي تشترط أن يعلن بوضوح عدم إشراك "النهضة" في الحكومة العتيدة.
من جهته، يسعى المرزوقي إلى التأكيد على أن "منافسه يمثل الماضي بكل مآسيه وخيباته، وأن وصوله إلى قصر قرطاج سيكون تتويجاً لعودة النظام القديم، وتدشين مرحلة جديدة من الاستبداد والديكتاتورية". ورفع المرزوقي شعار "الدفاع عن المرحلة السابقة (بعد ثورة 2011)"، من خلال إبراز الإنجازات التي تحققت في عهد الترويكا، بالتفاصيل والأرقام.
وعمد المرزوقي إلى محاولة حشر خصمه في زاوية القبول بإجراء مناظرة علنية معه، وفق التقاليد الديمقراطية المعمول بها في العالم الحرّ. وهو الطلب الذي يتحاشى السبسي قبوله، خشية تداعياته السلبية المحتملة، على صورته لدى الجمهور.
فالسبسي بات معروفاً بتجاوزاته اللفظية، وخروجه المتكرر على النص، واحتمال تورطه في حالة من التشنج وعدم مسك أعصابه أمام إمكانية استفزازه من قبل منافسه. أما أنصار المرزوقي فيلحّون على ضرورة تأمين المناظرة، اعتقاداً منهم بأن مرشحهم يمكن أن يكسب نقاطاً لصالحه في حال تنظيمها.
كما أظهر المرزوقي قدرة في الاستعداد المتواصل للرد على التهم الموجّهة إليه، وآخرها تهمة "ترويج فواتير يدّعي مروّجوها بأن المرزوقي كرئيس مؤقت، كان يسيء التصرف في ميزانية الرئاسة"، ولكن مدير حملته عدنان منصر، تحدّى الخصوم بالقول إن "المرزوقي مستعد للإعلان عن استقالته من رئاسة الجمهورية، إذا ما ثبت أي شكل من أشكال سوء التصرف". ولم يكتفِ المرزوقي بمواجهة حرب الأخبار غير الصحيحة التي تدار ضده، بل يحاول تقديم نفسه في صورة السياسي النظيف والديمقراطي والثوري.