في اليوم الذي ودّع فيه نواب الدورة التاسعة من مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) مقاعدهم، لإفساح المجال أمام نواب البرلمان الجديد استعداداً لعقد جلستهم الأولى في وقت لاحق، عقد أعضاء مجلس خبراء القيادة بدورته الخامسة، أولى جلساتهم، أمس الثلاثاء، بعد استحقاقين انتخابيين لكلا المجلسين في فبراير/شباط الماضي.
وقد بدأت جلسة أمس بتلاوة رسالة للمرشد، علي خامنئي، التي اعتبر فيها، أن "مجلس الخبراء يتولى مسؤولية حراسة الهوية الإسلامية والثورية في إيران"، قائلاً إنه "يقع على عاتق أعضائه مهمة حساسة"، وصفها بـ"المسؤولية الثقيلة".
يتكوّن مجلس الخبراء من 88 عضواً، ويشرف على عمل المرشد وله الحق في عزله، وتقييمه، وتعيين خلفه، بحال الوفاة أو فقدان الأهلية. وهو ما يجعل مهمة المجلس الجديد مهمة للغاية بحسب وصف كثيرين من المعنيين والمسؤولين في الداخل الإيراني، أولهم خامنئي نفسه، الذي طالب، في وقت سابق، بأن "يبحث المجلس في انتخاب شخصية مناسبة، تخلفه بشرط أن تكون شخصية ثورية تحافظ على المبادئ في الجمهورية الإسلامية"، بحسب قوله.
وقد حملت الجلسة الأولى مفاجأة كثيرين، بعد فوز رجل الدين المتشدد، أحمد جنتي، بمقعد الرئاسة، بنيله 51 صوتاً، بينما حصل منافساه، المعتدل، إبراهيم أميني، على 21 صوتاً، ورئيس مجلس الخبراء السابق بالإنابة، محمود هاشمي شاهرودي، على 13 صوتاً.
بعد ذلك تم انتخاب أعضاء الهيئة الرئاسية، ليتولّى كل من شاهرودي ومحمد علي موحدي كرماني، منصبيهما كنائبين للرئيس. كما شغل كل من أحمد خاتمي وقربانعلي دري نجف أبادي، مقاعد سكرتارية الرئاسة. وكل هذه المقاعد، بما فيها مقعد الرئيس، تصبح شاغرة مرة كل عامين، من دورة المجلس التي تستمر ثماني سنوات.
وعلى الرغم من التوقعات بعدم ترشح جنتي لهذا المنصب، إثر حلوله في المرتبة الأخيرة في دائرة العاصمة طهران خلال الاستحقاق الانتخابي الأخير، محافظاً على مقعده بصعوبة، إلا أنه حصل على أغلبية أصوات المجلس، المكوّن من رجال دين، حاصلين على درجة الاجتهاد على الأقل، وينتمون في غالبيتهم لكلا التيارين المحافظ والمعتدل.
ويضمّ التيار المعتدل شخصيات محسوبة على خط الوسط، من كلا الطرفين الإصلاحي والأصولي، وهو ما رجّح الكفة لصالح جنتي، المعروف بتشدده، فمن تنافس في لوائح تيار الاعتدال للاستفادة من شعبية المعتدلين والإصلاحيين في الشارع، خصوصاً في دوائر المدن الكبرى، لا يمكن له أن يتخلى عن توجّهه الرئيسي حين يتعلق الأمر بمؤسسة دينية وسياسية من الوزن الثقيل، كمجلس خبراء القيادة.
من جهة ثانية، فإن المحسوبين على لائحة "رفاق الاعتدال"، اكتسحوا دائرة العاصمة طهران، وهي الأثقل وزناً وكمّاً، وتبلغ حصتها 16 مقعداً، فنالوا 14 منها. وحلّ رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، أكبر هاشمي رفسنجاني، في المرتبة الأولى، فيما حلّ الرئيس، حسن روحاني، ثالثاً بعد محمد أقا إمامي، بينما حل جنتي نفسه في المرتبة الـ16.
لكن الطريق كان سهلاً أمام مرشحي المحافظين في مناطق دون أخرى، فحسموا النتائج بسهولة فيها، فحلّ عضو الخبراء، إمام صلاة الجمعة، أحمد خاتمي، في المرتبة الأولى في كرمان، جنوب شرقي البلاد. كما حصل على أول مقاعد مازندران شمالاً، رئيس السلطة القضائية صادق آملي لاريجاني. وكان لافتاً خروج شخصيات معروفة من السباق، فخسر رئيس مجلس الخبراء السابق، محمد يزدي مقعده، وخرج تقي مصباح يزدي كذلك من المجلس، وهو صاحب الشخصية الدينية المعروفة في البلاد، التي كان الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، محسوباً عليها.
ويرأس جنتي لجنة صيانة الدستور في الوقت الراهن، وهي اللجنة المسؤولة عن منح الأهلية أو إقصاء الراغبين بالترشح لأي استحقاق انتخابي في إيران. وقد أثار الجدل مرات عدة بسبب قرارات اللجنة المرتبطة بهذا الأمر. وكانت آخر محطاته خلال دراسة طلبات الترشح لمجلس الخبراء نفسه، إذ إنه لم يمنح الأهلية لحفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، حسن الخميني، بسبب عدم مشاركته في الامتحان الذي يثبت أهليته وقدرته على الاجتهاد الفقهي، حسب ما أعلنت صيانة الدستور. بالتالي لم يكن حسن الخميني، قادراً على خوض الاستحقاق الانتخابي الأخير، وهو الأمر الذي تسبب بجدل كبير في الداخل الإيراني، كون الخميني شخصية دينية معروفة لها مكانتها في حوزة قم العلمية.
ومن المتوقع أن يستمر الجدل، لا سيما أن حفيد الخميني لم يحضر الجلسة الافتتاحية للخبراء، على الرغم من دعوته إليها وعلى الرغم من تسجيل اسمه على أحد مقاعد الضيوف، الذي بقي فارغاً طيلة الوقت. في المقابل حضر الرئيس المحافظ السابق، محمود أحمدي نجاد، والذي غاب عن ساحة العمل السياسي منذ مدة، بالإضافة لتواجد شخصيات أخرى كالمرشح الرئاسي المحافظ السابق سعيد جليلي، والذي ترأس مفاوضات البلاد النووية حين كان أميناً لمجلس الأمن القومي في عهد نجاد.
وقد رأت وسائل الإعلام الإيرانية، خصوصاً المحسوبة على الطيف المحافظ في تصدر جنتي المشهد، على الرغم من أنه من المتشددين، عودة الرونق لتياره، بعد كثرة الحديث عن تقدم المعتدلين والإصلاحيين في الانتخابات التشريعية وانتخابات الخبراء، وسطوع نجم هؤلاء وارتفاع شعبيتهم، مع توصل حكومة روحاني للاتفاق النووي مع الغرب من جهة، وبدء ترميم علاقات البلاد مع الآخرين من جهة ثانية.
في هذا السياق، اعتبر بعض المواقع المحافظة، أن فوز جنتي يعني ضربة للغرب، وتحديداً لبريطانيا، التي حاولت وسائل إعلامها إضعاف دور المحافظين في البلاد، فذكّرت بما فعلته قناة "بي بي سي" البريطانية بنسختها الناطقة بالفارسية، حين دعت للتصويت لمرشحين دون غيرهم ورفض آخرين. وسمّت بالاسم كل من أحمد جنتي ومصباح يزدي ومحمد يزدي، وهو ما اعتبره مسؤولون إيرانيون "تدخلاً سافراً ومحاولة لإثارة البلبلة في الداخل الإيراني".
ونقل موقع "مشرق نيوز" الإيراني، أن "قرار رفسنجاني بعدم خوض سباق التنافس على مقعد رئاسة الخبراء يعود لأسباب عدة، منها عدم فوزه بالمقعد حين نافس الرئيس السابق، محمد يزدي، عليه من قبل، وثانيها دعم تياره إبراهيم أميني، الذي خسر أمام جنتي، فلو ترشح رفسنجاني لتوزعت الأصوات بينهما. أما السبب الثالث، وقد يبدو الأهم، فيتعلق بتصاعد الجدل في البلاد والانتقادات الحادة، لا سيما من رجال الدين المحافظين، الذين احتجوا على لقاء فائزة هاشمي رفسنجاني بناشطات من الطائفة البهائية الممنوعة في البلاد".
لكن رفسنجاني نفسه علق على ما جرى قائلاً: "إن انتخابات رئاسة الخبراء جرت بسلاسة شديدة"، واصفاً تركيبة الهيئة الرئاسية الحالية بـ"الجيدة". أما روحاني فأكد أن "وظيفة المجلس هي اختيار مرشد وفق الشروط المحددة دستورياً"، متمنياً "العمر الطويل للمرشد الحالي"، ومضيفاً أن "الأهم من كل هذا هو أن أعضاء المجلس تم انتخابهم باقتراع شعبي". وبوجود هذه الصورة يبدو أن التنافس بين المعتدلين والمحافظين على الرغم من اتحاد بعض شخصياتهم مع بعضها بعضاً خلال الانتخابات، سيبقى مستمراً.