ذكريات سيئة من 2016

04 يناير 2017
+ الخط -
وقعت في العام 2016 أحداث سيئة، أولها صعود سياسي شعبوي فج إلى أقوى كرسي للقرار في أميركا. وثانيها إقدام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على دخول الحرب السورية، وتعميق الجرح هناك، وزيادة عدد القتلى واليتامى واللاجئين. وثالثها استمرار الفتنة في العراق، حيث يتطلب نزع شوكة "داعش" من الموصل أنهارا من الدماء، والمشكل أن الحشد الشعبي يزرع في طريقه إلى القضاء على "داعش" ألغاما جديدة في أرض العراق. ورابع المآسي التي وقعت السنة الماضية، تواصل الاستيطان الإسرائيلي، واستمرار تجاهل العالم حقوق الفلسطينيين. وخامساً، دخول الحرب اليمنية سنتها الثانية من دون نقطة ضوء في نهاية النفق، وازدياد عدد القتلى والجوعى وصور الأطفال اليمنيين منكوبين في وسائل الإعلام العالمية. سادساً، صعود اليمين المتطرف في أوروبا، والاتجاه نحو انعزالية قاتلة (protectionnisme) ستعمق سوء الفهم الكبير بين الغرب والإسلام. سابعاً، الانقلاب الفاشل على الرئيس رجب طيب أردوغان في تركيا، وتردّد القوى الكبرى في إدانته، إن لم يكن في تشجيعه. ثامناً، وجود مليار إنسان وسط السبعة مليارات من البشر، لا يصلون إلى ما يكفيهم من طعام وشراب، دعك من باقي الكماليات التي لا يحلم بها مثل هؤلاء. تاسعا، ازدياد حرارة الأرض، وما تحمله من تقلباتٍ مناخية تنعكس على كل دول العالم، وتهدّد الحياة فوق الأرض. عاشراً، ازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء، أفراداً وجماعات ودولا، ومعه ازدياد الحقد والإحساس باللامساواة والرغبة في الانتقام.
هكذا يبدو نصف العالم الأسود، حيث تزداد مبيعات السلاح، وتنتفخ أرصدة أمراء الحرب، وتتراجع قيم الحرية والعدالة والمساواة والحوار بين الحضارات وسبل العيش الكريم..
في مقابل هذه المآسي، هناك علم يتقدّم، وتكنولوجيا تكتسح، وإنترنت يصل ويفصل في الوقت نفسه (يصل بين الأفراد والجماعات ويفصل بين الأحلام والتطلعات)، وهناك ابتكارات مدهشة في الطب والصناعة والأدوية والاتصالات ونمط العيش، فاليوم هناك أربع شركات دخلت إلى جل بيوت العالم (غوغل وفيسبوك وأمازون وآبل). ولم تعد هذه الشركات مشغولةً بتسويق بضاعتها فقط، بل صارت تصرف مليارات الدولارات على بحوث وابتكارات تهم حياة البشر على الأرض (تمول غوغل اليوم مشروعاً طبياً ضخماً هدفه الرفع من الأمل في الحياة، وتنطلق من حقيقة أن الإنسان في الغرب كان معدل حياته قبل 100 سنة هو 54 سنة، واليوم صار في حدود 82 سنة، بفضل تقدم الطب ووسائل النظافة ووفرة الطعام وتحديد ساعات العمل، فلماذا لا يتجاوز 100 سنة غداً، مع كل التطور الذي يعرفه الطب والأبحاث الجينية والكشف المبكر عن الأمراض قبل وقوعها).
هكذا يمشي العالم بسرعتين وفي اتجاهين مختلفين، الأمر الذي يدفع المرء إلى كتابة ثلاث ملاحظات عن أحوال البشرية في السنوات المقبلة:
أولاً: لا توجد مكاسب نهائية على طاولة العالم، سواء في مجال الفكر أو السياسة أو الاقتصاد أو العقل أو الحرية أو حقوق الإنسان أو العدالة الاجتماعية... كل شيء معرّض للخطر، وكل القيم التي اكتسبت بفعل قرونٍ من التطور يمكن أن تذوب في لحظات، كما تذوب الثلوج تحت أشعة الشمس. هذا هو درس "البريكسيت" في بريطانيا، وترامب في أميركا، وصعود اليمين المتطرّف في أوروبا.
ثانياً: الفوضى ستزداد في العالم، لأن القانون غائب، والشرطي غائب، والمحكمة غائبة، والحكمة غائبة.. في مجتمع الدول، الديمقراطية محلية والسوق عالمية. يتحرّك القانون داخل حدود كل دولة، فيما العولمة تخترق الجغرافيا، وفوق ظهرها يركب الاتصال والتواصل والشركات والسلع والإرهاب والجريمة والإعلام. وكل هؤلاء عابرون للحدود، بل لا يؤمنون بالحدود أصلاً. هذا التناقض بين المحلي والعالمي، في غياب قائد أو غرفة قيادة، يُحدث الفوضى، والفوضى تفتح الطريق لقانون الغاب، والبقية معروفة.
ثالثاً: سيبقى العالم العربي وإفريقيا الساحتين الأبرز للحروب المقبلة، لأنهما الأضعف استراتيجياً، والأكثر اختراقا من الفقر والفساد والاستبداد والطائفية والانقسامات العرقية والمذهبية، علاوة على غياب منظمات إقليمية قوية تعضد أمنهما القومي، مع وجود ثرواتٍ مهمة في بلدانهما، ومعابر استراتيجية للتجارة العالمية على حدودهما. ودّعت أوروبا الغربية الحروب على أراضيها منذ 70 سنة، وأميركا منذ 200 سنة، فيما روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا محصنة برابط "البريكس"، وتحاول أن تدفع مخاطر الحروب عن أراضيها، وتخطط للاحتفاظ بأسرع نسبة نمو في العالم. وهناك دول مرشحة للالتحاق بها، فيما العالم العربي ماتت فيه جامعة الدول العربية، وتوفي اتحاد المغرب العربي، وشل مجلس التعاون الخليجي، ودخلت منظمة المؤتمر الإسلامي في غيبوبة.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.