ذكرى ميلاد: محمد حسين هيكل.. رواية حجبت صاحبها

09 أكتوبر 2018
(محمد حسين هيكل)
+ الخط -

ظلّ اسم الشاعر والسياسي المصري محمد حسين هيكل (1888 – 1956) الذي تمرّ ذكرى ميلاده اليوم، مرتبطاً بكونه مؤّلف أول رواية عربية بعنوان "زينب" (1914)، ثم انقلب الأمر مع صدور دراسات عديدة تفنّد هذا الادعاء جملة وتفصيلاً مع العثور على نصوص روائية أقدم في مصر ولبنان، لينحصر اسمه من جديد في الجدل حول عدم ريادته أو أسبقيته في هذا الحقل الإبداعي.

الملاحظة الثانية التي قد تُعرف عنه هو أن لم يضع اسمه الصريح على روايته إلا بعد خمسة عشر عاماً على نشرها؛ أي عام 1929، خشية أن "تجني صفة الكاتب القصصي على اسم المحامي" بحسب تقديمه للعمل في طبعته الثانية.

بعد مرور أكثر من مئة عام على إصدار الرواية، فإن قلّة من القرّاء وبعض الدارسين من يتذّكر مضمونها، الذي يتناول شخصية قلقة يعبّر عنها صوت الراوي فهي بنت أحد كبّار ملاكي الأراضي الذي يحبّ زينب بعد فشل عاطفي سابق، ليشكّل مدخلاً لوصف سحر الريف وجماله وانتقاد أهله الذين لا يؤمنون بالحب.

ورغم أن "زينب" جرى تحويلها مرتين إلى فيلم سينمائي الأولى عام 1930 في فيلم صامت بطولة بهيجة حافظ وسراج منير وزكي رستم، والثانية عام 1952 في فيلم ناطق شارك في كتابته الممثل عبد الوارث عسر الذي شارك أيضًا في التمثيل فيه مع يحيى شاهين وراقية إبراهيم وفريد شوقي، إلإ أنها ليست أعمالاً لافتة وراسخة في ذاكرة السينما المصرية.

الرغبة في تكريس رواية عربية حديثة وإنهاء سجالات سابقة حول وجود سرد روائي أقدم في التراث يمكن تصنيفه كقصّة أو رواية، ثم الاختلاف على صاحب السبق، حجب عنا معرفة الرجل الذي نال درجة الكتوراه في القانون من "جامعة السوربون" عام 1912، وكانت أدواره في السياسة وآماله في تحديث المجتمع والدولة هي الأهم وتستحق الإضاءة عليها.

بعد عمله في المحاماة سنوات عدّة، انتقل هيكل للتدريس في "الجامعة المصرية" عام 1917 والتي كانت حينها تعتبر المختبر الأساسي لتفاعل النخب الجديدة التي تؤمن بالحداثة والديمقراطية وقيم الليبرالية وتجد في هذا الفضاء حصانة لها ولأفكارها الجديدة الصادمة، وبيئة مناسبة للصراع مع القوى المحافظة من خلال الدرس والنقاش.

في عام 1922، استقال صاحب "مذكرات في السياسة المصرية" من عمله في الجامعة وتفرّغ للعمل العام، وترأس تحرير جريدة "السياسة" لسان حال "حزب الأحرار الدستوريين" الذي شارك في تأسيسه، وشهدت الجريدة الوليدة معارك فكرية عديدة منها ما أثير حول كتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين.

شغل مناصب وزارية عدّة وكانت له طروحاته الناقدة للحجاب والزواج المبكر وتعدّد الزوجات، وفي الوقت نفسه دافع عن النقابات العمالية والزراعية وضرورة إنشاء مشاريع ري ضخمة، واهتمامه بتأسيس صناعات كبرى لإنتاج الآلات والأسلحة، وكانت له آراؤه حول الطاقة وتوفير بدائل تضمن تطوير الصناعة.

لم تكن أفكار هيكل ثورية ضد السلطة وهيمنة الإنكليز على مصر، إذ انتسب إلى فئة اجتماعية صاعدة -من كبار الفلاحين المصريين- تقاسمت ملكية الأراضي مع العائلات التركية، التي احتكرتها زمناً طويلاً، وبغض النظر عن عوامل متعددة ساهمت في إعادة تشكّل النخب المصرية في تلك المرحلة، فقد اجتمع مع غيره من الليبراليين على استعارة "حداثة المستعمِر" لبناء وطن قومي للمصريين من خلال تحديث أنظمة التعليم وتحقيق نهضة تشمل جميع مناحي الحياة، وناضل من أجل ذلك في جميع المواقع التي شغلها.

المساهمون