شكّلت الفنانة المصرية محسنة توفيق (1939 – 2019) التي تمرّ اليوم الأحد ذكرى ميلادها، نموذجاً لجيل من المسرحيين كانوا مهمومين في تلك المرحلة بتطوير الفن الرابع في بلادهم، مؤمنين في الوقت نفسه بالفن كقضية سياسية عبر جملة انحيازات تأسست على الانتصار للفقراء والمهمّشين.
بدأت رحلتها مع التمثيل في المسرح الجامعي أثناء دراستها في كلية الزراعة من خلال مشاركتها بعدّة أعمال تعتبر مؤسسة في تاريخ المسرح المصري، منها "مأساة جميلة" (1961) حول الثورة الجزائرية من تأليف عبد الرحمن الشرقاوي وإخراج حمدي غيث، و"يرما" (1964) عن نصّ للشاعر الإسباني لوركا وإخراج كرم مطاوع الذي عملت معه في مسرحيات أخرى مثل "أغاممنون" (1966).
مع عودة نجيب سرور من دراسته في موسكو في منتصف الستينيات، أتت أعماله المسرحية لتعبّر عن التصاق أكبر بالواقع من خلال مقاربات أكثر قسوة وجرأة في تجسيد العلاقة بين الفلاح المصري البسيط ومحتكري السلطة الذين صادروا حاضره ومستقبله طوال عقود، دشّنها في مسرحيتي "ياسين وبهية" التي أخرجها كرم مطاوع.
لكن محسنة توفيق ستلعب بطولة مسرحية أخرى له بعنوان "منين أجيب ناس" (1984) التي جاءت كأكبر ردّ فعل على ذهاب السادات إلى "كامب ديفيد"، والتي كتبها عام 1974 أثناء إقامته الجبرية في مستشفى الأمراض النفسية، واتكأ فيها على قصة "حسن ونعيمة" من التراث الشعبي.
ولقد توقفت كثيراً في مقابلاتها الصحافية في مراجعة تجربتها في المسرح عبر التأكيد على دور كل من مطاوع الذي كان الداعم الأول لها في البدايات وأسند لها أدواراً رئيسية، وسرور التي كانت ترى فيها وجه المثقف العضوي الحقيقي الذي يتعامل مع الفن كرسالة.
نالت توفيق بعد تقديمها حوالي ثلاثين عملاً على الخشبة مكانة خاصة بالنظر إلى طبيعة اختيارها لأدوارها ضمن سوية معينة، كما لم تخف يوماً مواقفها المناهضة لاستبداد السلطة المصرية وقمعها للحريات، والتي كانت سبباً في إقصائها عن العديد من الأعمال في مرحلة معينة.
إلى جانب المسرح، كان حضورها لافتاً في السينما عبر مشاركتها في العديد من الأفلام التي تركت أثر لا يمحى بدءاً من دور "بهية" في صرختها الشهيرة "هنحارب" في فيلم "العصفور" (1972) ليوسف شاهين، الذي كان يبحث فيه عن أسباب هزيمة حزيران/ يونيو 1967، وصولاً إلى أفلام "إسكندرية ليه"، و"الوداع يا بونابرت"، و"البؤساء"، و"الحب قبل الخيز أحياناً".
رحلت توفيق في أيار/ مايو من العام الجاري بعد مشوار طويل في الفن الذي عكست خلاله مفهومها عنه باعتباره فعلاً سياسياً، يعبّر من خلاله الفنان عن موقفه الأخلاقي والإنساني والسياسي، حتى وإن قاد ذلك إلى خسارات كثيرة.