ذكرى ميلاد: زكي ناصيف.. لبنان أكثر واقعية

09 أكتوبر 2018
(زكي ناصيف)
+ الخط -

بحلول خمسينيات القرن الماضي، التقى عاصي ومنصور الرحباني وتوفيق الباشا وتوفيق سكر وزكي ناصيف على تأسيس "عصبة الخمسة" التي جمعها لبنان -على اختلاف رؤية كلّ منهم له- لكنهم أرادوا أن يقدّموا أغنية تعبّر عن هويته وتراثه بعد أن كانت التأثيرات المصرية وتليها الشامية والعراقية هي الأشد وضوحاً لدى فنانيه الذين كان يسجلون أغانيهم في "إذاعة الشرق الأدنى" في فلسطين آنذاك.

سنوات قليلة وينفرط عقد المجموعة، ولم يكن غريباً أن يأخذ ناصيف (1916 – 2004) مساره المختلف الذي بدأه مع فرقة "الأنوار" برفقة سعيد فريحة وتوفيق الباشا، فربما فطِن باكراً بذكائه الفطري والتصاقه بواقعه أن "المختبر" الرحباني لا يتسع سوى لقائد واحد كان يوزّع العمل على فريقه ثم لا يتوقّف عن التدخّل بكلّ صغيرة وكبيرة على المسرح وخلف كواليسه أيضاً.

لن يضع صاحب "يا عاشقة الورد" مشروعه ضمن مفاضلة مع غيره من الذين توجّهوا إلى التراث اللبناني الذي كان المادة الأساسية التي اتكأ عليها منافسوه في تلك الفترة لكنه من دون شك بحث عمّا يميّزه عنهم، حيث يشير الدارسون إلى نبشه في الألحان السريانية التي لم تكن في غالبها موثّقة موسيقياً بسبب ارتباطها أكثر بمواسم الفلاحين، خلافاً لنظيرتها البيزنطية التي اتخذت طابع الحكاية الدينية التي استند إليها كثيرون وفي مقدّمتهم الرحابنة.

لا تتعمق الدراسات حوله في أسباب هذه الاختيارات التي لا تنفصل في النهاية عن تكوينه الشخصي والفكري، حيث يمكن الذهاب أبعد إلى أن زكي ناصيف فضّل الاقتراب من الفرح والبهجة المشبعة بالإيقاعات والنابضة بالحياة في "بكرا الأرض" و"هلّي يا سنابل"، لا التعلّق برؤى تنزّع نحو المثالية ووطن متخيّل كما أراده عاصي ومنصور في "وطني يا جبل الغيم الأزرق" أو "من ذهب الزمان الضايع".

تتضح تفاصيل أكثر عند الذهاب نحو الأغنية الوطنية، فصاحب "راجع يتعمر لبنان" يبدي طمأنينته بلبنانه كما يراه في الواقع الذي يحصد فيه الناس زرعهم وينهضون بما تبنيه أيديهم، وكأنه لا ينتظر لبنان المعلّق بالغيب والذي يسكن الماورائيات أو لا يزال "طفل صغير"، ولا يحتاج إلى أن يناديه باسمه في كلّ مرة يخاطبه وينفعل معه ويتأمل جراحه.

ليست مقارنة عبثية بين هذا الوطن وذاك وهذا الإرث ذاك وإن التقيا في مواضع عديدة هنا وهناك، حيث آمن زكي ناصيف بقومية سورية وضع لحزبها نشيده الوطني، وأن لبنان جزء منها له ما له وعليه ما عليه، وما يحكم انتماءه هو العيش بين البسطاء لا الاغتراب عنهم.

يمضي زكي ناصيف في دربه التي اختطها لنفسه منذ عام 1965، ويلحّن إلى جانب عمله مدرساً في "المعهد الوطني الموسيقي" في بيروت، أغانيه التي كتب معظم كلماته ويلحن مقطوعات لا تنسى مثل "وحياتك يا درب العين" لـ نصري شمس الدين، و"طلوا احبابنا طلوا" لـ وديع الصافي"، و"وراجع يتعمر لبنان" لـ ماجدة الرومي.

وستقوده الأقدار بعد افتراق عن الرحابنة دام ثلاثة عقود ونصف قدّم خلالها بضع أغانٍ لفيروز مثل "يا بني أمي"، ليجتمع مجدداً معها في ألبوم صدر عام 1994 ويتضمّن تسع أغنيات منها "ع دروب الهوى" و"سحرتنا البسمات" قد لا تكون الأكثر رواجاً بين أغانيها، لكنها ستظل تذكّر بالمبدع الذي رأى الفن حلقة رقص بإيقاعات وارتجال لا ينتهيان.

دلالات
المساهمون