حين رحل الشاعر الإسباني رفائييل ألبيرتي (1902-1999)، كان آخر شعراء جيل لوركا، وهو الذي كان يريد أن يكون رساماً وعاش طيلة حياته يحلم بأن يكون كذلك، لكنه لم يصل في الرسم إلى المكانة التي بلغها شاعراً، حتى أنه كتب سلسلة من القصائد بعنوان "تحية إلى الرسم" A la pintura.
لم يكن ألبيرتي الشاعر الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم، رمزاً شعرياً فقط، بل كان رمزاً للمقاومة بالمعنى السياسي، فقد كان ماركسياً قبل أن يغادر إسبانياً منفياً بعد معارضته الشديدة لفرانكو، وظل يكتب لبلاده من المنفى، إذ تشكل جذوة ألبيرتي الشعرية تجسيداً للحظة مكثفة وحرجة في تاريخ إسبانيا الحديث.
ظلت ذاكرة رفائييل الشعرية والثقافية جيدة حتى آخر لقاءاته وهو في الثانية والتسعين وفيه تحدث عن لوركا وبيكاسو وبونويل، رغم تعرضه في تلك الفترة إلى حادث سيارة أثر قليلاً على ما يحمله من ذكريات. لكنه كان يستعيد تلك القوة الشعرية الحزينة وهو يقرأ قصيدته الشهيرة التي كتبها عن حصار أنصار فرانكو لمدريد.
تجربة ألبيرتي كانت لافتة حتى قبل الحرب الأهلية، فقد حصل على "جائزة الأدب الوطنية" عام 1925 عن كتابه الأول "بحار على اليابسة"، ليصبح بعده من أشهر أسماء الأدب في عصره، وهو ما مكّنه من عقد صداقات متعددة في الأدب والرسم ومن بينهم نيرودا وأبولونير.
في المؤسسة التي أطلقها وتحمل اسمه في مسقط رأسه بويرتو سانتا ماريا البلدة التابعة لمنطقة أندلسيا جنوب أسبانيا، وضع رفائييل كل أوراقه الخاصة، ومن بينها مراسلاته مع الملك خوان كارلوس، وسلفادور أليندي، والشاعر أراغون، كما يعرض أعماله التشكيلة إلى جانب أعمال أصلية مهداة له من صديقيه خوان ميرو وبابلو بيكاسو، لكن للأسف أغلقت هذه المؤسسة عام 2010.
عاش الشاعر في مدن كبرى مثل مدريد وباريس وبوينوس آيريس التي ظل يعيش فيها منذ أن غادر باريس عام 1940 وحتى عام 1960، لكن ظلت بلدته الصغيرة وخليج قادس الذي تطل عليه مهيمنان على مخيّلته الشعرية.
وضع عدة قصائد عن تلك الطفولة التي كانت تتوزع بين حنان البلدة والخليج، في واحدة من قصائدة يقول "البحر، ولا شيء غير البحر، لماذا أخذتني إلى المدينة يا أبي؟ لماذا انتزعتني من البحر يا أبي"، وكان في هذه القصيدة معاتباً لأبيه الذي انتقل بعائلته إلى العيش في مدريد عام 1917، أي حين كان عمر ألبيرتي 15 عاماً.
في السابعة والثلاثين من العمر، كتب ألبيرتي: "حين أموت، افتحي عيني برقة، ستجدين أصابعك مبللة بزبد الأمواج وأظافرك معبأة بالرمل"، وفي عام 1959، كتب مذكراته التي صدرت بعنوان "الجرف المفقود" عن طفولته ومراهقته في بويرتو سانتا ماريا.
صدر لرافائييل ألبيرتي قرابة الستين عملاً بين مذكرات، ومجموعات شعرية، ومراسلات، ومسرحيات من بينها مسرحية "الإنسان المهجور"، و"التحدي"، و"ليلة حرب في متحف براد"، ومن مجموعاته "عن الملائكة" و"الشاعر في الشارع"، و"الأسماء الثمانية لبيكاسو"، و"خليج الظلال"، و"بيت واحد لكل يوم"، و"حادثة: قصائد المستشفى".
لم تهتم الثقافة العربية والمترجمون العرب كثيراً بتقديم ألبيرتي كما ينبغي، وربما تعد أبرز الترجمات له تلك التي قدمها صالح علماني وعاصم الباشا عام 1981، وكانت بعنوان "رفائييل ألبيرتي، مختارات شعرية" وصدرت عن "دار الفارابي".