تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الخامس عشر من تمّوز/ يوليو، ذكرى ميلاد الروائي المغربي إدريس الشرايبي (1926 - 2007).
في عام 1954، أصدر إدريس الشرايبي روايته الأولى بعنوان "الماضي البسيط" عن دار غاليمار، في لحظة كان المغاربة يقتربون من استقلالهم، فأثارت موجة من الجدل حول مضامنيها التي تقارب الحداثة والخروج عن التقاليد الجامدة وموقع الاستعمار وأثره في هذا السياق.
درس الروائي المغربي (1926 - 2007) الهندسة المدنية في باريس، وعمل في مهن عديدة كحارس وحمّال ومدرس للغة العربية وصحافي، قبل أن ينتقل للإقامة في كندا ويعمل هناك مدرّساً للأدب المغاربي في "جامعة فال" عام 1970.
تصوّر رواية "الماضي البسيط" علاقة الأب بأبنائه التي تتميز بالسلطة المفرطة، والتحكم في مصير أفراد العائلة، ومنهم الأم التي تخضع لإراداته بالكامل، إلى أن يتمرد السارد أحمد الفردي على أشكال السلطة الأبوية، ويندد بالتناقضات التي تطبع العلاقات الاجتماعية، ويدين صور التخلف والجمود والجهل التي يتخبط فيها المجتمع، ويثور على والده بإهانته ومغادرة الوطن.
قدّم الشرايبي بعد الهجوم الواسع الذي تعرّض إليه، رسالة اعتذار نشرتها الصحافة تعهّد فيها بعدم الإساءة إلى الوطن، مبدياً تفهّم الانتقادات التي وُجّهت له بسبب المواضيع التي عالجتها روايتا "التيوس" (1955) و"الحمار" (1956) إلى جانب روايته الأولى، وأشار إلى أن الناس في المغرب تعرّفوا إلى أعماله من خلال الإعلام الفرنسي.
لكنه سيعود في مقابلة أجراها معه الروائي والشاعر عبد اللطيف اللعبي عام 1967، للاعتراف بأنه كان في حالة ضعف حين تنكّر لروايته، لأنه لم يكن بمقدوره أن يتحمل تهمة التعاون مع المستعمر، وأنه كان عليه أن يتحلى بشجاعة أكبر للدفاع عن مقولاته.
كان الشرايبي من أوائل الكتّاب في المغرب الذين كتبوا باللغة الفرنسية، ونشر عدّة روايات بوليسية انتقد فيها أوضاع المجتمع، وطور شخصيته البوليسية المحقق علي الذي يقوم بتحقيقاته في شتى المناطق المتوترة سياسياً كإنكلترا في روايته "المفتش علي في كلية ترينيتي"، والولايات المتحدة في روايته "المفتش علي والاستخبارات الأميركية"، وأفغانستان في روايته "الرجل القادم من الماضي"، واستطاع أن يكرّس صوته في شكل روائي لم ينل حظه من الاهتمام مغربياً وعربياً.
تناول مواضيع إشكالية في معظم أعماله، حيث انتقد التهميش الذي يعانيه العمال المغاربيون المهاجرون إلى فرنسا في "التيوس"، وقارب أحوال المراة في "الحضارة أمي" التي تدور أحداثها حول أم تنتمي إلى عائلة ثرية متمسكة بالتقاليد، ويسعى أبناؤها إلى إخراجها من عزلتها ويتناوبون في ما بينهم السرد الذي يكشف طبيعة ما تواجهه النساء في المجتمع المغربي غالباً.
اعتُبر الشرايبي كاتباً متنوّعاً وحيوياً في طرح أفكاره واشتباكه مع أزمات الواقع في معظم رواياته، ومنها: "من كل الآفاق" (1958)، و"الجمهرة" (1961)، و"إرث مقتوح" (1962)، و"صديق سيأتي لرؤيتك" (1967)، و"موت في كندا" (1975)، و"أم الربيع" (1982)، و"مولد في الفجر" (1986)، و"رجل الكتاب" (1995)، و"قرأ، سمع، شاهد" (1998)، و"العالم جانباً" (2001)، و"الرجل القادم من الماضي" (2004).