ذكرى تفجيرات الريحانية: نكء جراح وإنعاش للتجارة السياسية

12 مايو 2014
لاجئون سوريون في الريحانية (أوزان كوس/فرانس برس/getty)
+ الخط -

مرّت يوم أمس الأحد، 11 مايو/أيار، الذكرى الأولى لمجزرة الريحانية، القرية التركية التي بات يقطنها، منذ عامين، أضعاف سكانها من النازحين السوريين من محافظة إدلب تحديداً. قبل عام من اليوم، رافقت التفجيرات التي ضربت الريحانية، حملة إعلامية منسقة وجهت اللوم لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، واتهمته بدعم تنظيم "القاعدة" الذي نفّذ العملية، وهو ما شحن الأهالي، فهبوا يعتدون على السوريين. ثمّ قُبض على الفاعلين وهم يحاولون الهرب إلى سورية، وضُبطت لهم عشرات الأفلام بكاميرات المراقبة المنتشرة في أنقرة والريحانية وغيرها، وكانوا جميعاً من محافظة أنطاكية، وينتمون إلى طائفة واحدة لا علاقة لها بـ"القاعدة" من بعيد أو قريب.

في اليوم التالي، نظّمت مجموعة "قضايا تركيا العاجلة" المتهمة بتنفيذ الهجوم، تظاهرة في مدينة أنطاكية ضد الحكومة، معلنة أن تنظيم "القاعدة" صديق الحكومة وحليف لها. وكان هذا التنظيم اليساري قد اختفى عن الساحة تماماً، حتى إن الحكومة التركية لم تطالب باستلام زعيمه المقيم في اللاذقية، مهراتش أورال، الذي يطلق عليه في الصحافة التركية لقب "صهر القصر السوري"، في إشارة إلى زواجه من إحدى بنات العائلة الحاكمة في سورية، ويسميه الإعلام السوري علي الكيال، عندما سلّمت الحكومة السورية المطلوبين الأتراك لديها جميعاً عام 2003، بناء على قوائم الاستخبارات التركية، وطوت صفحة دعم المجموعات المتطرفة اليسارية التركية، بعد أن أنجزت ملف حزب العمال الكردستاني في وقت سابق مع دمشق.

أنعشت القضية السورية كثيراً من هذه التنظيمات، ومنها أيضاً "حزب وحركة التحرر الثوري الشعبي"، الذي تعرض لانقسامات كثيرة، ووقع معظم أعضائه في السجون، فنفذ عملية انتحارية عند مدخل السفارة الأميركية، راح ضحيتها شرطي إضافة إلى المنتحر، وجرح بعض الأشخاص، وقُبض على شخصين كانا يساعدان المنفّذ، وتبين أنهما كانا في دمشق، وقد عادا قبل العملية بفترة قريبة.

لم يكن التطور الأمني وحده هو الذي قضى على هذه التنظيمات، بل الانفراج السياسي النسبي في تركيا، الذي أفسح في المجال للكثير من الشباب، للانخراط في الحياة العامة.

ليست التنظيمات اليسارية وحدها من انتعش سوقها جراء المأساة السورية، فهناك كثير من الإعلام كان ميتاً وقد دبت فيه الحياة. وكان حزب "الشعب الجمهوري"، شيخ المعارضة التركية منذ 2002، قد وضع استراتيجيته لمواجهة حزب "العدالة والتنمية" في سلسلة الانتخابات، باحتضان الجميع، بمن فيهم الخصوم السياسيون من القوميين الطورانيين في حزب الحركة القومية. وفي الوقت نفسه، أراد الحزب أن يستثمر في الطائفة العلوية (العربية والكردية والتركية) التي ينتمي إليها الكثير من أعضاء هذه الحركات الشيوعية المتطرفة، وقد حققت له هذه الإستراتيجية بعض النجاح في الانتخابات البلدية السابقة.

بعد القبض على منفذي تفجير الريحانية، صمت حزب الشعب الجمهوري، وخصوصاً أن منسّق العملية كان الضابط نفسه الذي نسق زيارة رئيس هذا الحزب إلى دمشق عند لقاء الرئيس بشار الأسد قبل حوالي عامين للتعبير عن "دعم الشعب التركي للقيادة السورية" في حينها. اليوم، جاءت المناسبة لا لتنكأ الجراح فحسب، بل لتعيد "البيع والشراء" في سوق السياسة أيضاً، وهو ما ساهمت فيه بعض وسائل الإعلام، عن قصد أو عن غير قصد، وهو ما يصبّ في خانته تقرير بثّته هيئة الاذاعة البريطانية (BBC) التي زارت المنطقة للمرة الأولى قبل عام، وأجرت لقاءات مع أهالي الريحانية، وخلص تقريرها إلى أن فتح الحدود مع سورية كان السبب في وقوع هذه العملية.

عاد حزب "الشعب الجمهوري" اليوم لإثارة القضية، وجدّد اتهامه للحكومة بالمسؤولية غير المباشرة عن الهجوم، وكان أكثر جرأة من الآخرين، بالقول إن الفاعلين الحقيقيين ليسوا أولئك المودعين في السجن.

مدبر عملية التفجير أوصل الرسالة، والمنفّذ وقع، وأخذ أحكاماً بمئات السنين (لعدم وجود حكم إعدام في تركيا)، لكن عيون التجار مفتحة جيداً على السوق، حتى وإن كان سوقاً للدم.

المساهمون