قبل نحو ربع قرن، وتحديداً في 26 ديسمبر/ كانون الأول في عام 1991، تفكّك الاتحاد السوفييتي. ورغم مرور كل هذا الوقت، ما زال البعض يحنّ إلى هذا الزمن، خصوصاً كبار السن، على عكس الشباب، الذين يميلون إلى تقدير الوضع الحالي
مع اقتراب ذكرى مرور ربع قرن على تفكك الاتحاد السوفييتي، ما زال المجتمع الروسي منقسماً بين رفض هذه الحقبة بنظامها الشمولي وسيطرة الدولة على كافة مجالات الحياة، والحنين لما تميزت به من استقرار وأمان وعدالة اجتماعية نسبية. وأظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الروسي لدراسة الرأي العام مؤخراً، أن 64 في المائة من الروس كانوا سيصوتون لصالح الحفاظ على الاتحاد السوفييتي في الاستفتاء. وترتفع هذه النسبة إلى 76 في المائة يين من تجاوز الستين عاماً، وتنخفض إلى 47 في المائة بين الشباب ما دون 24 عاماً.
في هذا السياق، يرى الباحث في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، أن الحنين إلى زمن الاتحاد السوفييتي لم يتراجع مع مرور الزمن، بل زاد. يقول لـ "العربي الجديد": "رغم كل سلبياتها، إلّا أن الحقبة السوفييتية شهدت العديد من القفزات التكنولوجية، وكان الاقتصاد قوياً وكانت هناك ضمانات اجتماعية". ويضيف: "لم يشعر الناس بوجود تفاوت طبقي كبير، وكان التعليم مجانيّاً".
وإلى الأوضاع في روسيا بعد تفكك الاتحاد، يلفت إلى "الإسراف في الميراث السوفييتي"، موضحاً أن المواطنين واجهوا نظاماً رأسمالياً شبه إجرامي، ووجدوا أنفسهم بلا ضمانات اجتماعية. وحول "توهّم" الناس بأن الأوضاع ستتحسن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، يلفت إلى أنه "في نهاية الحقبة السوفييتية، لم يعد الناس يقدّرون إيجابياتها، وباتوا يعتبرونها أمراً طبيعياً مثل الهواء، أو التزاماً من الدولة. لذلك، كانوا يعتقدون أن التخلص من الاتحاد السوفييتي سيضع حداً لعيوبه مع استمرار الامتيازات بشكل طبيعي".
وخلال حديثه عن بعض المواقف التي يشعر فيها المواطن بالحنين إلى الماضي السوفييتي، يعطي أندرييف مثالاً على "سباقات" السيارات التي نظمها أبناء مسؤولين كبار وأثرياء في شوارع موسكو مؤخراً، قبل أن تصدر في حقهم أحكامٌ خفيفة. يقول: "كان القانون في الاتحاد السوفييتي يسري على الجميع، وكان مثل هذا الفعل لنجل أي مسؤول رفيع سيتسبب في طرده من وظيفته فورًا".
بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، عاشت روسيا أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، بما فيها الأزمة الدستورية في عام 1993، وحرب الشيشان بين عامي 1994 و1996، عدا عن نهب ثروات الدولة وإقامة نموذج أوليغارشي للرأسمالية، ما أدى إلى إفقار السكان وبالتالي اتّساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية.
المهندسة الروسية، إيرينا، كانت في نهاية الثلاثينات من عمرها حين تفكّك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، ما يعني أنها اختبرت روسيا الشيوعية والرأسمالية بإيجابياتهما وسلبياتهما. مع ذلك، لا تشعر بالحنين إلى الماضي السوفييتي. تقول لـ "العربي الجديد": "يحن جيلي إلى أيام شبابه وليس إلى العهد السوفييتي في حد ذاته. كان المواطن يشعر آنذاك بالرعاية الاجتماعية في ما يتعلق بالخدمات الطبية مثلاً، لكن لم يكن هناك أمام الأكفاء وأصحاب المبادرات أية فرص للتفوق في أعمالهم".
تضيف: "خلال النظام الرأسمالي، حلت مشكلة النقل العام، بما في ذلك في ضواحي المدن، وباتت هناك أصناف متنوعة من المواد الغذائية في المتاجر. لكن بعد سقوط الستار الحديدي، بات الناس يقضون عطلاتهم خارج البلاد، وأصبحت لدى الشباب فرصة للتعلم في الجامعات الأجنبية".
وتذكر إيرينا أنه في الحقبة السوفييتية، كانت المواد الغذائية والأزياء محدودة جداً، بل كان هناك نقص كبير. تضيف أن "المواد الغذائية من الأصناف الجيدة لم تكن متوفرة سوى في موسكو ولينينغراد (سانت بطرسبورغ حالياً)، وكنا نضطر إلى البحث عنها إما عن طريق الوساطة، أو شرائها في الأسواق بأضعاف الثمن".
اقــرأ أيضاً
منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، ولد ونشأ جيل كامل لم يعرف الحياة في ظل الحكم الشيوعي والشمولي، وبالتالي لا يحن إلى هذا الزمن. الطالبة ألينا (21 عاماً) هي إحدى هؤلاء. تقول لـ "العربي الجديد": "رغم أن والديّ يحملان ذكريات طيبة حول هذه الفترة، إلا أنني أكره الاتحاد السوفييتي ولا أتمنى أن أعيش في مثل هذا البلد". تضيف: "يبدو لي أن مشروع الاتحاد السوفييتي كان بلا آفاق منذ البداية، واتسم هذا الزمن بسياسة غير فعالة عدا عن الركود الاقتصادي، وكانت شخصيات غير مؤهلة تشغل مناصب قيادية".
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، كان من الطبيعي أن تجد هذه الأحداث صدى في الفن الروسي، ومثال على ذلك فيلم "الإمبراطورية المتلاشية" (إنتاج عام 2007) للمخرج الروسي، كارين شاهنازاروف، الذي يتناول الحياة اليومية لمجموعة من الطلاب في السبعينيات من القرن الماضي. وسط انشغالهم بعواطفهم ومشاريعهم والمشاجرات بينهم، لم يكن يتصور هؤلاء أن أكبر بلد في العالم يمكن أن يتلاشى من الخريطة.
ودخلت عملية تفكك الاتحاد السوفييتي مرحلتها الختامية بعد توقيع كل من قادة روسيا، بوريس يلتسين، وأوكرانيا، ليونيد كرافتشوك، وبيلاروسيا، ستانيسلاف شوشكيفيتش، في 8 ديسمبر/كانون الأول في عام 1991 على اتفاقية "بيلوفيجسكايا بوشا" التي أقرت بانتهاء وجود الاتحاد وإقامة رابطة الدول المستقلة.
وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 1991، ألقى آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، كلمة وداع تنحى فيها عن الحكم لتمسكه بـ "وحدة الدولة". وفي اليوم التالي، أصدر إعلان الاعتراف باستقلال 15 جمهورية سوفييتية سابقة، لتدخل جميعها مرحلة جديدة من تاريخها عاشت خلالها أحداثاً دراماتيكية بين أزمات وثورات وحروب.
يشار إلى أنه في البداية، كان الاتحاد السوفييتي يتألف من أربع جمهوريات سوفييتية اشتراكية سابقة. وبحلول عام 1956، بات الاتحاد كياناً ممثلاً لخمس عشرة دولة اتحادية. وقد ولد الاتحاد من رحم الإمبراطورية الروسية.
اقــرأ أيضاً
في هذا السياق، يرى الباحث في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، أن الحنين إلى زمن الاتحاد السوفييتي لم يتراجع مع مرور الزمن، بل زاد. يقول لـ "العربي الجديد": "رغم كل سلبياتها، إلّا أن الحقبة السوفييتية شهدت العديد من القفزات التكنولوجية، وكان الاقتصاد قوياً وكانت هناك ضمانات اجتماعية". ويضيف: "لم يشعر الناس بوجود تفاوت طبقي كبير، وكان التعليم مجانيّاً".
وإلى الأوضاع في روسيا بعد تفكك الاتحاد، يلفت إلى "الإسراف في الميراث السوفييتي"، موضحاً أن المواطنين واجهوا نظاماً رأسمالياً شبه إجرامي، ووجدوا أنفسهم بلا ضمانات اجتماعية. وحول "توهّم" الناس بأن الأوضاع ستتحسن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، يلفت إلى أنه "في نهاية الحقبة السوفييتية، لم يعد الناس يقدّرون إيجابياتها، وباتوا يعتبرونها أمراً طبيعياً مثل الهواء، أو التزاماً من الدولة. لذلك، كانوا يعتقدون أن التخلص من الاتحاد السوفييتي سيضع حداً لعيوبه مع استمرار الامتيازات بشكل طبيعي".
وخلال حديثه عن بعض المواقف التي يشعر فيها المواطن بالحنين إلى الماضي السوفييتي، يعطي أندرييف مثالاً على "سباقات" السيارات التي نظمها أبناء مسؤولين كبار وأثرياء في شوارع موسكو مؤخراً، قبل أن تصدر في حقهم أحكامٌ خفيفة. يقول: "كان القانون في الاتحاد السوفييتي يسري على الجميع، وكان مثل هذا الفعل لنجل أي مسؤول رفيع سيتسبب في طرده من وظيفته فورًا".
بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، عاشت روسيا أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، بما فيها الأزمة الدستورية في عام 1993، وحرب الشيشان بين عامي 1994 و1996، عدا عن نهب ثروات الدولة وإقامة نموذج أوليغارشي للرأسمالية، ما أدى إلى إفقار السكان وبالتالي اتّساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية.
المهندسة الروسية، إيرينا، كانت في نهاية الثلاثينات من عمرها حين تفكّك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، ما يعني أنها اختبرت روسيا الشيوعية والرأسمالية بإيجابياتهما وسلبياتهما. مع ذلك، لا تشعر بالحنين إلى الماضي السوفييتي. تقول لـ "العربي الجديد": "يحن جيلي إلى أيام شبابه وليس إلى العهد السوفييتي في حد ذاته. كان المواطن يشعر آنذاك بالرعاية الاجتماعية في ما يتعلق بالخدمات الطبية مثلاً، لكن لم يكن هناك أمام الأكفاء وأصحاب المبادرات أية فرص للتفوق في أعمالهم".
تضيف: "خلال النظام الرأسمالي، حلت مشكلة النقل العام، بما في ذلك في ضواحي المدن، وباتت هناك أصناف متنوعة من المواد الغذائية في المتاجر. لكن بعد سقوط الستار الحديدي، بات الناس يقضون عطلاتهم خارج البلاد، وأصبحت لدى الشباب فرصة للتعلم في الجامعات الأجنبية".
وتذكر إيرينا أنه في الحقبة السوفييتية، كانت المواد الغذائية والأزياء محدودة جداً، بل كان هناك نقص كبير. تضيف أن "المواد الغذائية من الأصناف الجيدة لم تكن متوفرة سوى في موسكو ولينينغراد (سانت بطرسبورغ حالياً)، وكنا نضطر إلى البحث عنها إما عن طريق الوساطة، أو شرائها في الأسواق بأضعاف الثمن".
منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، ولد ونشأ جيل كامل لم يعرف الحياة في ظل الحكم الشيوعي والشمولي، وبالتالي لا يحن إلى هذا الزمن. الطالبة ألينا (21 عاماً) هي إحدى هؤلاء. تقول لـ "العربي الجديد": "رغم أن والديّ يحملان ذكريات طيبة حول هذه الفترة، إلا أنني أكره الاتحاد السوفييتي ولا أتمنى أن أعيش في مثل هذا البلد". تضيف: "يبدو لي أن مشروع الاتحاد السوفييتي كان بلا آفاق منذ البداية، واتسم هذا الزمن بسياسة غير فعالة عدا عن الركود الاقتصادي، وكانت شخصيات غير مؤهلة تشغل مناصب قيادية".
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، كان من الطبيعي أن تجد هذه الأحداث صدى في الفن الروسي، ومثال على ذلك فيلم "الإمبراطورية المتلاشية" (إنتاج عام 2007) للمخرج الروسي، كارين شاهنازاروف، الذي يتناول الحياة اليومية لمجموعة من الطلاب في السبعينيات من القرن الماضي. وسط انشغالهم بعواطفهم ومشاريعهم والمشاجرات بينهم، لم يكن يتصور هؤلاء أن أكبر بلد في العالم يمكن أن يتلاشى من الخريطة.
ودخلت عملية تفكك الاتحاد السوفييتي مرحلتها الختامية بعد توقيع كل من قادة روسيا، بوريس يلتسين، وأوكرانيا، ليونيد كرافتشوك، وبيلاروسيا، ستانيسلاف شوشكيفيتش، في 8 ديسمبر/كانون الأول في عام 1991 على اتفاقية "بيلوفيجسكايا بوشا" التي أقرت بانتهاء وجود الاتحاد وإقامة رابطة الدول المستقلة.
وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 1991، ألقى آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، كلمة وداع تنحى فيها عن الحكم لتمسكه بـ "وحدة الدولة". وفي اليوم التالي، أصدر إعلان الاعتراف باستقلال 15 جمهورية سوفييتية سابقة، لتدخل جميعها مرحلة جديدة من تاريخها عاشت خلالها أحداثاً دراماتيكية بين أزمات وثورات وحروب.
يشار إلى أنه في البداية، كان الاتحاد السوفييتي يتألف من أربع جمهوريات سوفييتية اشتراكية سابقة. وبحلول عام 1956، بات الاتحاد كياناً ممثلاً لخمس عشرة دولة اتحادية. وقد ولد الاتحاد من رحم الإمبراطورية الروسية.