ذكرى الانسحاب السوري من لبنان: حكاية خروج معلَن

28 ابريل 2014
خلال الانسحاب عام 2005 (Getty)
+ الخط -
في مثل هذه الأيام قبل تسع سنوات، أُقفلت بوابة الحدود اللبنانية ـ السورية وراء آخر الآليات العسكرية السورية "المقيمة" في لبنان. أخلت القوات السورية ثكناتها وفكّكت حواجزها، وانسحبت تاركةً خلفها مراكز نفوذ سياسي في مجالس ومقار حزبية. سارعت هذه المجالس والأحزاب إلى التخفيف من وطأة هذا الانسحاب وتصويره "كتراجع شكلي"، يقتصر على انتقال موقع القيادة من عنجر (مقرّ إقامة رئيس الاستخبارات السورية في لبنان) إلى دمشق لا أكثر. وجّه بعض حلفاء النظام السوري التحيات وعبارات الشكر، واستعرض مزايدون آخرون بالوقوف أمام الدبابات لمنعها من الخروج.

فعلياً، مرّت ذكرى 26 نيسان/ أبريل، طوال السنوات الأولى للخروج السوري، وكأنّ سوريا لا تزال في بيروت. يتحكّم نظامها بأدق التفاصيل وأصغر الأمور، من إقرار قوانين الانتخابات النيابية، إلى "تعيين" الرؤساء. ظلّت دمشق محطةً رئيسيةً لأي استحقاق أو لأي قرار يصدر في الشأن اللبناني. تُرجم الاعتراف العربي والدولي بهذا الدور، وعدم انتفائه، من خلال المشاركة في صياغة "اتفاق الدوحة" في مايو/ أيار 2008 حيناً، أو في تفاهم "السين ـ سين" (تفاهم السعودية وسوريا، 2010).
ظلّت سوريا ممسكةً بالساحة اللبنانية رغم خروجها من لبنان، إلى أنّ أتت الثورة السورية، فزعزعت النظام وهزّت أولوياته واهتماماته. أشغلته في الداخل السوري، فأضعفته. ومع توالي الضغوط الدولية والعسكرية والاقتصادية، بدأ انحسار دور دمشق في لبنان. يتسلّم حزب الله اليوم زمام إدارة الأمور في البلد، بدلاً من نظام الرئيس بشار الأسد وقادته الأمنيين. من نتائج هذا التبدّل الحاصل في صفوف فريق "الممانعة"، مباشرة الحزب بتفكيك مجموعات سياسية لطالما شكّلت أذرعاً أمنية لنظام البعث. يتمثّل ذلك، مثلاً، في سحب الحزب العربي الديموقراطي (حليف أساسي للنظام في شمال لبنان ومسؤولون فيه متّهمون بتنفيذ تفجيري طرابلس خلال أغسطس/ آب 2013) من المعادلة السياسية في طرابلس، ولو مؤقتاً. هو حزب علوي، يعمل منذ سبعينيات القرن الماضي وفق الأجندة السورية، وجد نفسه اليوم خارج الساحة بفعل تغيّر الأولويات وتبدّل المواقع. هذا الأمر ينطبق أيضاً على بعض المجموعات الصغيرة الموالية لسوريا في الشمال، التي أفهمها الحزب أنّ دورها إلى انحسار، فسحبت عناصرها من الشوارع وفهمت "اللعبة" الجديدة. هذا التفكيك مستمرّ وسينسحب على بيروت أيضاً، في الأسابيع المقبلة، بحسب مصادر في فريق 8 آذار.
يعيد بعض من هذا الفريق السياسي ما يحصل على هذا الصعيد إلى "اختلاف أسلوب العمل بين حزب الله وحزب البعث في سوريا". وبحسبهم، هذا الاختلاف واضح في "ملف توقيف الوزير السابق ميشال سماحة". حمّل النظام السوري العبوات في سيارة سماحة لتفجير الأوضاع في لبنان وممارسة الاغتيالات. أُوقف سماحة وتجري محاكمته أمام القضاء العسكري اليوم، لكن الحزب حافظ على مسافة سياسية من هذه القضية. لم يتدخل مسؤولوه ولم يهاجموا القضاء والأجهزة الأمنية المحسوبة على خصومهم.

سياسياً، تستمرّ لقاءات قيادات في 8 آذار بالمسؤولين السوريين. هم يعبرون الحدود كلٌ بحسب انشغالاته. زياراتهم إلى دمشق تتّصف بالصيغة "الاجتماعية"، بحسب ما يقول أحدهم لـ"العربي الجديد". يلتقون ضباطاً حاليين وسابقين، يسألون عن بعض الخدمات، يطّلعون على تفاصيل المعارك في سوريا ويعودون بمعنويات يضيفونها إلى مجالسهم وإلى السائلين عن الواقع السوري. نادراً ما يجري نقاش الملف اللبناني، "لانشغالهم بالوضع السوري. ومَن يسأل، يُحيلونه إلى حزب الله"، يقول أحد زوار دمشق الدائمين.
خرجت سوريا من لبنان عسكرياً عام 2005. ظلّت دمشق محجّة لبعض الأحزاب والشخصيات طوال السنوات التسع الماضية، لكن بلا نكهة سياسية، بل بـ"طعمة" أمنية وأخرى شخصية. أحد الزوار الدائمين للعاصمة السورية يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحزب تسلّم الملف اللبناني منذ سنوات، إذ بات على الجميع مراجعته بدل العودة إلى القيادة السورية". وما يظهر اليوم ليس سوى تكريس لهذا الأمر وإظهاره في العلن، ربما لكون النظام السوري لم يعد يبحث عن تعزيز موقع إقليمي أو المحافظة على أوراق رابحة. هو يريد البقاء على قيد الحياة فقط.
المساهمون