ذاكرة السّمكة تسمم اللبنانيين

17 نوفمبر 2014
الفساد الغذائي يتسلل الى حياة اللبنانيين(جوزيف عيد/فرنس برس/getty)
+ الخط -
الذعر الغذائي يسيطر على لبنان. الأسبوع الماضي، خرج وزير ‏الصحة وائل ‏أبو فاعور إلى الإعلام، ليعلن عن أسماء عشرات المطاعم ‏التي تقدم للمواطنين ‏الطعام الفاسد. لا بل قال الوزير إن الفحوص بيّنت أن ‏بعض الأطعمة فيها ‏مخلّفات "البراز". الكل أصبح مشغولاً بهذا الحدث ‏الجلل.
الطعام الذي كنّا نأكله ‏تبيّن أنه غير صالح للاستهلاك البشري "يا ‏غيرة الدين". ‏ 
فعلياً، ليست المرة الأولى التي يصاب فيها اللبنانيون بذعر الغذاء. عملياً، ‏سبق أن لعب ‏وزير الزارعة السابق حسين الحاج حسن دور البطولة ‏ذاته. إلا أن ذاكرة اللبنانيين ‏كذاكرة السمكة.
منذ عام 2009 حتى عام 2011، أصبح الحاج حسن ملك الساحة ‏اللبنانية ‏والإعلامية. فقد كان له في كل شهر تقريباً "اكتشافٌ" في علم ‏الفساد الغذائي. ولعب ‏الوزير دور "سوبرمان"، فانتقل من الحدود البرية ‏إلى البحرية إلى المحال ‏والمتاجر وكاد أن يصل إلى الحدود الجوية، لولا ‏المحاذير السياسية.‏
حينها، أعلن وزير الزراعة سلسلة من الفضائح التي طالت القمح ‏والبزورات ‏والمواد الغذائية الفاسدة، والأسماك واللحوم وصولاً إلى ‏الإعلان عن شحنات من ‏الحبوب غير الصالحة للاستهلاك البشري. ‏وتزامنت هذه "الاكتشافات" مع حالات تسمم غذائي ضج بها ‏الشارع ‏اللبناني. ‏هذا بالإضافة إلى انطلاق سباق بين السياسيين لفضح ‏بعضهم بعضاً في التورط بعمليات التزوير والغش والفساد الغذائي. ‏
في ذلك الوقت، عاش اللبنانيون أيضاً في ذعر... استمر حتى عام ‏‏2012. ‏في هذا العام تحديداً، خرج كل من الحاج حسن، ووزير السياحة ‏السابق فادي ‏عبود، ووزير الاقتصاد السابق نقولا نحاس في مؤتمر صحافي ‏من السرايا ‏الحكومية، وأعلنوا أن الإعلام يشوّه صورة لبنان من خلال ‏الحديث عن الأطعمة ‏الفاسدة. ‏
وفي المؤتمر الصحافي عينه، تم الإعلان عن إجراءات ستقضي على ‏الفساد الغذائي ‏ضمن خطة تشمل الرقابة على عمليات الاستيراد، التوزيع ‏والتخزين‎، فضلاً عن إجراء ‏مسح شامل على المطاعم والمؤسسات ‏السياحية والغذائية‎.‎‏.. و‏‎إطلاق قانون سلامة الغذاء‎.‎
ومنذ عام 2012 حتى اليوم، لم تتخذ أي خطوة من هذه الخطوات. أمّا ‏قانون سلامة ‏الغذاء، فهو متوقف منذ عام 2006 كون الهيئة الوطنية ‏لسلامة الغذاء (التي ينص القانون على ‏تشكيلها) تخضع لوزارة الاقتصاد. ‏ويأخذ وزراء الزراعة المتعاقبون عليها أنها تتمتع بالصلاحيات ذاتها التي ‏تحظى بها وزارة الزراعة‏. وبالتالي توقف القانون لتضارب الصلاحيات ‏الوزارية ‏‏- المذهبية - السياسية، بين وزارة الزراعة التي تخضع لسيطرة ‏أحزاب 8 آذار ("حزب الله" وحلفاؤه)، ‏ووزارة الاقتصاد التي تخضع ‏لسيطرة أحزاب 14 آذار ("تيار المستقبل" وحلفاؤه). ‏
كذلك، صدر في عام 2005 قانون المستهلك في لبنان. ومنذ تسع سنوات ‏حتى اليوم، لم يتم إقرار ‏المراسيم التطبيقية اللازمة لتطبيق القانون.‏
اللبنانيون لا يتسمّمون اليوم من الغذاء، نتيجة فساد التجار وأصحاب ‏المؤسسات فقط. اللبنانيون اليوم يأكلون "البراز"، على ما قال حرفياً أبو ‏فاعور، نتيجة التغييب الممنهج للقوانين التي تحميهم، ونتيجة انتخابهم ‏الأحزاب ذاتها لتكون مسؤولة عن السهر على مصالحهم في كل دورة ‏انتخابية... ‏
آه، صحيح، ذاكرة السمكة أنستنا، أن النواب ملّوا من إعادة انتخاب ‏أحزابهم، فقرروا تلقائياً التمديد لأنفسهم بأنفسهم منذ أسابيع، وأنستنا أن لا ‏رئيس جمهورية لدينا، وأن حكومتنا تعمل بتمديد أوتوماتيكي. ‏
يبدو أن ذاكرة السمكة أنستنا أننا بشر حقنا البسيط ألا نأكل "البراز". ‏
دلالات
المساهمون