دُمية إيران ودُمية أعدائها

11 ابريل 2018
+ الخط -
نام من نام ، وسهر من سهر، من السوريين والعرب ليل الإثنين/ الثلاثاء على وعيد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرب نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بعدما تعزّزت القناعة الدولية أكثر فأكثر، طوال ثلاثة أيام سابقة، بشبهة استخدامه السلاح الكيميائي مجدداً ضد مدنيي مدينة دوما في غوطة دمشق.
وإذ توارت خلف حال الترقب أحداثٌ كثيرة، لعل أهمها بطش قوات الاحتلال الإسرائيلي بمسيرات العودة في فلسطين المحتلة، وكذا التصريحات والتسريبات المثيرة الصادرة عن جولة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في الولايات المتحدة، فضلاً عن بدء التحضيرات العملية لعقد القمة العربية المؤجلة في الرياض، فإن الخيط الناظم بين كل هذه المتغيرات وسواها من التطورات الإقليمية ذات الامتداد الدولي، لم يكن من الممكن إخفاؤه، لا في ثنايا غضب واشنطن المزعوم من إقدام نظام دمشق على تكرار المذابح الجماعية بحق مواطنيه، ولا في تصدّي أبواق هذا الأخير للرد على التهمة المشينة، وما رافقها من تهديدات بترديد الكلام البائس الذي طالما سمعناه جميعاً، عن المؤامرة التي تتشارك فيها إسرائيل وأميركا وأوروبا ودول الخليج مع قوى الإرهاب ضد سورية.
دع عنك هنا وصف ترامب الأسد بالحيوان، ثم ابتلاع الأخير هذه الإهانة التي صارت لازمة تتكرر كلما استخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه، واسمع بدلاً منها تصريح المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، بعزم بلادها على الرد على ما حصل في غوطة دمشق، أياً ما كان القرار الذي سيتخذه مجلس الأمن الدولي، لتلتقط إن شئت طرف الخيط الذي سيقودك ببساطة إلى التيقن من أن واشنطن كان في وسعها أن تتخذ موقفاً مماثلاً، فترفض التسليم باستخدام حق النقض (الفيتو) إحدى عشر مرة من روسيا والصين لحماية نظام دمشق، خلال السنوات السبع الماضية، غير أنها فضلت، عن طيب خاطر، خيار التسامح مع جرائم إبادة الشعب السوري وتهجيره.
وإنْ أنت تتبعت مسار الخيط الناظم إلى اللحظة الراهنة، ستجد أن الضربة المرتقبة، في حال وقوعها، ستكون ذات طابع محدود ومرتبط باستخدام السلاح الكيميائي، دون غيره، وهي قد تزيد شدة، أو تقل ربما، عن قصف مطار الشعيرات العام الماضي، رداً على مذبحة جماعية مشابهة في بلدة خان شيخون، لكنها لن تتوخّى تغييراً جذرياً في الوضع القائم، وأساسه بقاء نظام الأسد على سدة حكم صوري، وتقسيم سورية إلى مناطق نفوذ لقوى دولية وإقليمية، ليس بينها طرف عربي واحد.
والعرب، بالمناسبة، أعني أنظمتهم الرسمية، بأكثريتها الكاثرة، ما زال وسيظل لديهم دور ما، في اللعبة، لا يتعدّى حدود اختيار التبعية لأحد اللاعبين، وفق ما أفصح عنه محمد بن سلمان، حين قفز عن دم مئات الألوف من السوريين، ليبشّر الأسد ببقائه في السلطة، متمنياً عليه فقط "أن لا يكون دميةً بيد إيران"، وتلك تصريحاتٌ لم يكن من الممكن قراءتها بمعزلٍ عن سياق اضطلع فيه الأمير الشاب بالعمل على تهيئة المنطقة كلها لإبرام صفقة القرن مع إسرائيل، مقابل تسهيل وصوله إلى عرش بلاده. فمن أجل هذا الغرض، أشعل ولي العهد السعودي الصراعات مع أشقاء الجوار الخليجي، في حين تسامح كما لم يتسامح زعيم عربي آخر علناً مع الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم قدم اعترافاً فريداً بالرواية الصهيونية للصراع العربي الإسرائيلي، عبر حديثه عمّا سمّاه "حق اليهود في العيش على أرضهم بسلام"، قبل أن يصل إلى منح الأسد صك غفران، وقد غاب عنه، وسط أوهام القوة التي تطغى على سلوكه، أن الدمى تتشابه، سواء كانت بيد إيران أو بأيدي أعدائها، مثلما غاب عن ترامب ربما أن ذرّ بضعة صواريخ أمام أعين السوريين لم يعد يكفي، في حال حدوثه، لإخفاء التواطؤ مع الطاغية.
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني