ديفيد برنارد... "عدو البيئة" مرشح ترامب لوزارة الداخلية

06 فبراير 2019
ديفيد برنارد... هل يكون الوزير الـ53 للداخلية؟ (Getty)
+ الخط -

"الطيور على أشكالها تقع"... لكن هل يقع الصيادون على أشكالهم أيضاً؟ عند الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته، يبدو الأمر كذلك، واختياره الأخير خير مثال. ترامب غير المكترث لمصير الكوكب والذي قال يوماً إنّه لا يؤمن بـ"تغيّر المناخ"، اختار رجلاً عدواً للبيئة مرشحاً لوزارة الداخلية.

ديفيد برنارد، هو مرشح ترامب لمنصب السكرتير الثالث والخمسين لوزارة الداخلية، وفق ما أعلن الأخير، الإثنين.

برنارد المعروف بممارسة الصيد البري والبحري كهواية، وحامل لواء الدفاع عن شركات التنقيب عن النفط والغاز، لا يلتقي مع ترامب على تقديم مصالح الشركات على حساب البيئة والحفاظ على المياه والمساحات العامة فحسب، بل يشاركه أيضاً تلك الاتهامات المتعلّقة باستغلال النفوذ السياسي لصالح تحقيق مكاسب شخصية في عالم المال والأعمال.

منذ استقالة وزير الداخلية ريان زينكي من منصبه، على أثر فضيحة، أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، تولّى برنارد المنصب بالوكالة. فترة كانت كافية لترامب لترشيحه للمنصب، مغرّداً على "تويتر"، الإثنين، بالقول: "لقد قام ديفيد بعمل رائع منذ اليوم الذي وصل فيه، ونحن نتطلع إلى تأكيد ترشيحه رسمياً!".


ترشيح رحّب به برنارد على الفور، قائلاً، في بيان مقتضب نشره في تغريدة على "تويتر"، إنه "شرف لي أن يتم ترشيحي لقيادة إدارة أحب مهمتها، ولإنجاز الرؤية المتوازنة والتفكير السليم لرئيسنا".


نشأ برنارد في مدينة ريفل بولاية كولورادو، وكان ناشطاً على الصعيد العام منذ أن كان في السادسة عشرة من عمره، عندما قدم قضية إلى مجلس المدينة، طالباً عدم فرض ضرائب على آلات الألعاب في مركز للمراهقين أنشأه في مسقط رأسه.

قضية رسمت شخصية المحامي فيه، وقد تخرج فعلاً مع مرتبة الشرف من كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن في عام 1994، ثم حصل على إذن بالتدرّب في المحكمة العليا في الولايات المتحدة.

في العام 1998، أصبح محامياً في شركة "Brownstein Hyatt and Farber"، وهي شركة قانونية ومركز لقضايا اللوبي في دنفر.

بدأ العمل في وزارة الداخلية الأميركية في العام 2001، وشغل منصب كاتب العدل في الوزارة من العام 2006 إلى العام 2009، بترشيح من الرئيس جورج دبليو بوش، ولقي تصديقاً بالإجماع من قبل مجلس الشيوخ.

اللوبي لأجل عمالقة الشركات

إلى جانب عمله بالوزارة، تابع برنارد عمله في شركة "Brownstein Hyatt and Farber"، بصفته أحد المساهمين فيها، ورئيساً للقسم القانوني المتخصص بالموارد الطبيعية، حيث مارس عمليات اللوبي والضغط، وتولّى قضايا الدفاع عن كبرى شركات النفط؛ مثل: "موبالت إنترناشونال إنيرجي" و"سامسون ريسورسز"، فضلاً عن شركة "هاليبرتون للطاقة"، وهي شركة لاستخراج النفط والغاز كان يقودها في السابق نائب الرئيس ديك تشيني.

وفي حال تمّت الموافقة على ترشيحه لمنصب الداخلية، فإنّ برنارد سيتولّى وزارة متعددة المهام تشرف على الأراضي العامة التي تبلغ مساحتها 500 مليون فدان تقريباً، بحسب ما تذكر صحيفة "نيويورك تايمز"، بما فيها أراض تحتوي آثاراً ومحميات برية.

غير أنّ برنارد، وخلال فترة تولّيه المنصب بالوكالة، بشّر عبر إشارات سلبية بالمنحى الذي سينتهجه بالوزارة، بعدما أشرف على العديد من السياسات التي تهدف إلى قضم الأراضي العامة ومصادر المياه، لصالح شركات التعدين والتنقيب عن النفط والغاز، ومشاريع أخرى.

نهج "هيمنة الطاقة"

منذ توليه الإدارة، دفع ترامب وزارة الداخلية إلى الحد من السياسات الناظمة لصناعات النفط، وفتح أراض جديدة لصالح عمليات الحفر والتنقيب.

بعدما أمر ترامب وزير الداخلية ريان زينكي، بفتح خط الساحل الأميركي بأكمله تقريباً أمام عمليات الحفر البحري، قام برنارد بتولّي المهمة الصعبة لتطوير الخطة، التي وصفها زينكي نفسه بأنّها "نهج جديد لهيمنة الطاقة في أميركا".

وعندما أشار ترامب على الإدارة بالتخفيف من أنظمة السلامة على معدات الحفر البحرية، قال اقتراح وزارة الداخلية إنّ الخطة "ستدعم هدف الإدارة المتمثل في تسهيل هيمنة الطاقة" من خلال تشجيع الإنتاج المحلي للنفط والغاز.

ساهم برنارد أيضاً في سياسات سلبية، مثل تخفيف المعايير في "قانون الأنواع المهددة بالانقراض"، وتسهيل فتح "المحمية الوطنية للحياة البرية في القطب الشمالي" أمام عمليات التنقيب عن النفط والغاز.


وقد لاحقت قضايا الأخلاقيات سياسات زينكي، وأدت في النهاية إلى رحيله عن المنصب، في أوائل يناير/كانون الثاني الماضي، بعدما أصبح محط عدة تحقيقات فيدرالية، أحدها قد يصل لدرجة إجراء تحقيق جنائي.

وتتعلّق القضية بصفقة عقارية تتورط فيها عائلة زينكي، ومجموعة تنمية مدعومة من ديفيد ليسار، رئيس شركة "هاليبرتون"، إذ استفاد زينكي من الصفقة، بينما كانت شركة ليسار للخدمات النفطية تستفيد من قرارات زينكي بشأن إنتاج الوقود.

وخلال الإغلاق الحكومي الجزئي الذي استمر لمدة 35 يوماً، والذي انتهى في 25 يناير/كانون الثاني، استخدم برنارد "تكتيكات جديدة"، للتأكد من إمكانية استمرار إصدار تصاريح حفر النفط والغاز، بحسب ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، مشيرة إلى تعرّضه للانتقادات على خلفية إيعازه بالسماح للمشرفين على المتنزهات العامة بالاستفادة من رسوم الدخول إلى المتنزهات، لإبقائها مفتوحة واستخدامها لمعالجة المشاكل الملحة، مثل تراكم النفايات والصرف الصحي.

"أخطر رجل في أميركا"

لم يمرّ ترشيح ترامب لبرنارد لمنصب وزير الداخلية، مرور الكرام على الجمعيات والهيئات المهتمة بأمور البيئة، لا سيما أنّه معروف بالانحياز للشركات الكبرى وتسهيل السياسات المتعلّقة بضوابطها، على حساب القضايا التي يرفع بشأنها المهتمون بالبيئة أصواتهم.

يقول نواه غرينوالد، مدير قسم الأنواع المهددة بالانقراض في "مركز التنوع البيولوجي"، لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنّ "ديفيد برنارد هو أخطر رجل في أميركا بالنسبة للأنواع المهددة بالانقراض والأراضي العامة"، مضيفاً أنّه "يقوم بتفكيك الحمايات الأساسية للأراضي التي تعود ملكيتها لنا جميعاً، وللأنواع المعرّضة للخطر، مثل طائر (الطيهوس الحكيم)، التي تعتمد عليها".

كما ذكرت مجموعتا "ذا ماونتن باكت"، و"مجتمع الحياة البرية"، في بيان مشترك، أنّ برنارد وبصفته وزيراً الداخلية "سيزيد من تعرض مناخنا ومجتمعاتنا للخطر في جميع أنحاء البلاد، عبر سياسته المتصلّبة والتي لا هوادة فيها، لإزالة حدود الحماية عن الأرض والمياه والحياة البرية".

"خير مثال على كل ما هو خطأ"

يُعتبر برنارد، مرشح ترامب الذي هو نفسه يجمع بين صفة رجل الأعمال ومنصب رجل الدولة، واحداً من بين العديد من كبار المسؤولين المكلّفين بتنظيم قطاعات عملوا سابقاً في إطارها. وفي هذا السياق، وصفت جنيفر روكالا، المديرة التنفيذية لمركز "الأولويات الغربية" التي تتخذ من كولورادو مقراً لها، ترشيح برنارد لمنصب وزير الداخلية بأنه "إهانة للمتنزهات الأميركية والأراضي العامة"، بحسب ما ذكر موقع "هافنغتون بوست". 

وقالت، في بيان: "إذا تأكدت أمور تضارب المصالح حول ديفيد برنارد، فإنّ الرقابة والشفافية الحقيقية ستكون أكثر أهمية من أي وقت مضى".

وبينما يستعد برنارد لتولّي زمام الأمور في الداخلية، يدرك جيداً أنّه سيواجه اتهامات كهذه حول تضارب المصالح. وقد ظهرت هذه المسألة مراراً، في جلسة مجلس الشيوخ عام 2017، خلال التصديق على توليه منصب نائب الوزير.

في أغسطس/آب 2017، وقع برنارد "خطاباً أخلاقياً" يقول فيه إنه سيتراجع عن سياسة اتخاذ قرارات قد تفيد عملاء سابقين على وجه التحديد.

وقد تم التصديق على تولّي برنارد منصبه الحالي بصعوبة، بعد تراجع الأصوات لصالحه في مجلس الشيخ من 53 إلى 43، مع تصويت معظم الديمقراطيين ضده، بينما تعهّد الديمقراطيون في الكونغرس، الإثنين، بإجراء تدقيق صارم في أفعاله.

وقال النائب الديمقراطي راؤول غريجالفا، الذي يرأس لجنة الموارد الطبيعية في مجلس النواب، إنّ "الرئيس (ترامب) وبترشيحه مسؤولاً لتنظيم عملائه السابقين، يعطي خير مثال على كل ما هو خطأ في هذه الإدارة".

المساهمون