لم يتخلّص أهالي محافظة ديالى العراقية من قهر التهجير حتى اليوم، منذ أن سيطر تنظيم "داعش" الإرهابي في يونيو/حزيران 2014 وحتى اليوم، فالمحافظة ذات الحدود المرتبطة بإيران، ما إن تخلصت من التنظيم حتى وقعت بقبضة المليشيات التي انفردت بملفها الأمني.
ويشكو أهالي ديالى من استمرار المليشيات بتنفيذ مخطط التغيير الديموغرافي لمحافظتهم، وإجبارهم على ترك مناطقهم بأساليب مختلفة ومنها بيع منازلهم، ما تسبب بإفراغ مناطق بأكملها.
ويقول أبو مصطفى، وهو موظف في الصحة في بلدة المقدادية، لـ"العربي الجديد": "فوجئت قبل أكثر من شهر بانفجار عبوة صوتية داخل منزلي، وبعدها بأيام طلبت المليشيات مني أن أبيعها منزلي، بالرغم من عدم رغبتي في بيعه، وبمبلغ أقل من سعره الحقيقي"، مبينا: "ما إن رفضت حتى فجروا عبوة ناسفة عند باب المنزل أدت إلى خسائر مادية في المنزل وفي متجري الصغير الواقع في باحته".
ويضيف: "قررت ترك منزلي ونقل وظيفتي، ورحلت عن منطقتي التي لم أفكر يوماً بالخروج منها، فما دمت غير منخرط في أي حزب أو فصيل مسلح وليس لدي انتماء لأي جهة سياسية، فلا أستطيع البقاء بمنزلي، كما لا يمكنني الوثوق في أي جهة أمنية لأخذ حقي أو تقديم شكوى".
ولم تكن حالة أبو دعاء الذي يعمل بناءً، أفضل من حال أبو مصطفى، إذ فوجئ برسالة تهديد عند باب منزله خلال شهر يوليو/ تموز الماضي، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "التهديد كتب فيه (عليك أن تدفع فصلا عشائريا عن شقيقك، كونه حضر فصلا عشائريا قبل ثماني سنوات، وكان عليه أن لا يحضر)". ويضيف: "نتيجة لذلك التهديد أخذت عائلتي ونزحت إلى شمال العراق، حتى تتغير الأوضاع في منطقتي".
ومنذ عام 2005 وحتى اليوم، تعاني محافظة ديالى العديد من المصاعب والاعتقالات والتهجير والقتل على الهوية، على يد تنظيم القاعدة الذي أعدم الكثير من الشباب، كما شهدت المحافظة أكبر موجة تهجير قسري بين عامي 2006 و2007 عقب تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء في فبراير/شباط 2006.
ويقول الناشط المدني وأحد وجهاء بلدة المقدادية، عصام الزبيدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "محافظة ديالى تعتبر منكوبة بجميع المقاييس، فقد تعرض الكثير من أبناء المحافظة للاعتقال، وبلغ عدد المعتقلين فيها أكثر من 128 ألفا، وفقاً لتقارير المخبر السري(جهاز أمني) سيّئ الصيت، وأكثر من 27 ألف مختطف، تم إطلاق عدد قليل منهم مقابل فدية مالية ضخمة جدا، وتصفية الناشطين السياسيين والإداريين ووجهاء المحافظة وأغلب كبار ضباط الجيش السابقين".
كما يوضح الزبيدي أنّ "المليشيات نفذت حملات تجريف في قرى المقدادية وشروين وناحية دلي عباس وقرى سنسل والعالي وجزيرة وعمليات تجريف البساتين وبمساحات واسعة، ودمرت أكثر من 20 ألف منزل تعود لأهالي تلك القرى النازح سكانها، وهدمت 28 مدرسة، وفجرت نحو 47 مسجدًا و11 مشروع ماء للشرب، فضلا عن المراكز الصحية، كما سرقت محولات وأعمدة الكهرباء وكل ممتلكات أهل تلك المناطق من سيارات وأثاث المنازل، ومضخة مياه السقي".
ويشير إلى أنّ "كل هذه الأساليب دفعت الأهالي إلى ترك منازلهم والهجرة منها"، مناشدا الحكومة بـ"وضع حد لكل تلك الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان".
وتسيطر مليشيا بدر بزعامة هادي العامري على محافظة ديالى أمنياً وسياسياً، وتنفرد بقراراتها، كما ينتمي محافظها مثنى التميمي للمليشيات، فضلاً عن أنّ أكثرية القيادات الأمنية والسياسية تابعة ومرتبطة بالمليشيات ذاتها، الأمر الذي عزز سلطتها وأتاح لها تنفيذ أجنداتها بوضح النهار.