من بيروت إلى دمشق فبغداد وصنعاء، وغيرها، ترسم "الثورة الخمينية" واقعاً من غير المنطقي تجاهله، أو الاستخفاف بأثمانه العربية، راهناً ومستقبلاً منظوراً، لا سيما في ما يتعلّق بأبعاده المذهبية، وتأثيراته الاجتماعية والثقافية، خصوصاً في سورية والعراق.
هو واقع لا يمكن فصله عن أسئلة الشارع المقارنة، همساً وصياحاً، بين تحركات الجنرال قاسم سليماني، وبين انشغالات "جنرالات" وأنظمة العرب، في التكتيك والاستراتيجية. قد يقولون: "لكننا نمارس سياسة دول"، لكنّ هذا القول يفضحه الاستبداد العربي. فالكوارث لا تحصى، تخريباً ودموية، إن في مدنهم أو عند "الأشقاء" و"الأصدقاء". وعليه، تسقط مقولة تضاد "الثورة والدولة" على الضفتين، الإيرانية والعربية.
ولا حاجة هنا إلى التذكير بالقائمة الطويلة لتلاقٍ غير بريء بين "الأضداد" المفترضين، من اليمن والبحرين إلى العراق فسورية ولبنان... وحتى فلسطين. يكفي التمعن، بعيداً عن "وشوشة" نخب النفاق، في وسائلها لمواجهة ثورات الشباب العربي، حتى يومنا، لترسيخ الاستبداد بعناوين دينية ومذهبية متشابهة في العمق، و"علمانية" متطرفة ومصطنعة في سطحيتها، لنكتشف حجم التقاء الأضداد.
المعادلة ليست معقّدة، فالثورة السورية كانت الكاشفة. فمن الوقوف مع "الصحوة الإسلامية"، بتعريف طهران وتوابعها للثورات العربية، تحوّلت الحكاية عندما أصابت الحليف بشار الأسد، إلى "مؤامرة كونية"، لتُزال الأعلام وتحضّر الشعارات المذهبية، ويحوّل التناقض بين الاستبداد والحرية إلى طائفي-مذهبي-عرقي، راسماً كوارث مستقبلية.
وعلى الجانب العربي، لم تنتج انتهازية حكام الثورات المضادة سوى سياسة الافتراق، وتعميق الاختلاف، وتضييع الفرص، وتغييب الخطط الجادة لمواجهة نفوذ سليماني وغيره، لتذهب أخيراً إلى تبني نظرية واهمة وأكثر بؤساً وكارثية مفادها بأن "99 في المائة من أوراق الحل" في يد تل أبيب، تاركة التكلفة الناتجة من إعادة تدوير انتهازية الشعارات عن فلسطين وشعبها.
وإذا كان الجنرال الإيراني سليماني، هو من يوزّر، ويفرض رئيس وزراء طائفياً، ولون حكومة بلد عربي، ويُصدّر مليشيات مرتزقة لمواجهة إرادة الشعوب، في سورية مثلاً، فإنه لا يختلف كثيراً عمن ينفق المليارات لتثبيت أركان الخراب الانقلابي والاستبداد الوراثي الدموي، ولو بصفقات مع موسكو وغيرها، لإعادة تلميع مكشوفة.
المواجهة بين الطرفين ليست حول من يملك قدرة صاروخية لتدمير تل أبيب وحيفا، إطلاقاً. فتلاقيهما هو لمواجهة عدوى إرادة الحرية. ولأنها كذلك، فلن تستطيع لا تل أبيب ولا واشنطن ولا موسكو، أن تنقذهما من ورطتهما، أو وقف سيرورة التاريخ والمستقبل.