يُتم الرئيس الأميركي دونالد ترامب يومه المائة في البيت الأبيض نهاية إبريل/ نيسان الجاري، حيث استمر تصدّره للحديث العالمي كما كان الحال إبّان حملته الانتخابية وسط ردود أفعال مختلطة، لكنها جميعها ترتبط بالخوف من القادم، أو ما هو الفعل التالي الذي سيقدم عليه الرئيس المثير للجدل.
وفي خضم قراراته وتغريداته التي تتسيّد المشهد، بدأت التخوّفات من وصول نائبه "مايك بينس" إلى سدّة الحكم؛ الرجل المسيحي المحافظ الذي وصفه ترامب بالرجل الصلب ووصفه رئيس مجلس النوّاب الأميركي بأنه ثابت المبادئ قادر على ترسيخ مبادئ المحافظين وإيقاف الترّهات، بينما يصفه كثيرون بأنه نسخة أكثر تشددًا من ديك تشيني.
شهد البيت الأبيض عدّة رؤساء قضوا قبل إتمام فتراتهم الرئاسية مع وجود حالة استقالة واحدة عقب فضيحة ووترغيت؛ حين استقال الرئيس السابق ريتشارد نيكسون وتسلّم نائبه جيرالد فورد مقاليد الحكم. وهذا السيناريو الأكثر سلمية وهدوءًا الذي يتمنّى مُعظم المتخوّفين أن تؤول إليه الأمور، ولكن بالنظر إلى شخصية ترامب لا يبدو الانتقال الهادئ أمرًا مطروحًا، وتزيد حساسية الموقف لوجود ممثل لليمين المسيحي بمنصب الرئيس حاليًا.
صرّح ترامب الابن في يوليو/تموز الماضي، أن نائب الرئيس سيكون مسؤولًا عن الشؤون الداخلية والخارجية، بينما سينصب اهتمام والده على هدف حملته الأساسية بجعل الولايات المتحدة "بلدًا عظيمًا".
وعقب ذلك نفت الحملة الانتخابية هذه التصريحات، وأعلن ترامب عبر "تويتر" أن نائبه المستقبلي في حال نجاحه سيكون "مايك بينس" حاكم ولاية "إنديانا"، بعد أن كان الأخير أحد داعمي "تيد كروز" في الانتخابات التمهيدية.
بينس؛ ذو الأصول الإيرلندية درس التاريخ في هانوفر، وحصل على الدكتوراه في القانون من جامعة إنديانا عام 1986، عمل في الإعلام الإذاعي ثم التلفزيوني منذ 1994 وحتى 1999. بقي في الكونغرس لمدّة 12 عامًا منذ انتخابه عام 2000 بعد فشله في تحقيق ذلك في التسعينيات. إضافة لمسيرته في الحزب الجمهوري التي توّجها برئاسة المؤتمر الجمهوري 2009 -2011 ليكون الرجل الثالث في هرمية الحزب، وأصبح حاكم ولاية إنديانا في 2013.
صرّح بينس في ظهوره الأوّل إلى جانب ترامب قائلًا: "جئت إلى هذه اللحظة بتواضع شديد لكن بقلب شاكر، شاكر لله على نعمته المدهشة"، ذلك المشهد الذي تعلّقت به عيون الناخبين الإنجيليين، وبحسب الناشط اليميني دايفيد بارتون فإن ترامب قد لا يكون المرشّح المفضّل لهم، لكن هذا لا يتعارض مع حقيقة أنه قد يكون "مرشّح الرب".
سياسة الرجل تتوافق مع ترامب في كثير من الأمور، وتخالفها في بعض المواقف، قد يكون أشهرها رفض بينس لحظر دخول المسلمين بوصفه عدوانيًا وغير دستوري، ففي السياسة الداخلية يقف بينس ضدّ الإجهاض، ويتشارك مع ترامب في كراهية مثليي الجنس إلا في حال إجراء عمليات التحويل الجنسي، وهو ما اقترح أن تتكفّل الحكومة بتكاليفه.
تتخبّط مواقف بينس في ما يتعلّق بالأمن القومي؛ فهو يدعم المحاكمات العسكرية ضد أعداء الولايات المتحدة، وسبق له الوقوف ضدّ مقترح أوباما بإغلاق معتقل غوانتانامو عدا أنه يؤكّد عدم قانونية التعذيب، مع اعترافه أن الاستجوابات القاسية ساعدت في الحفاظ على حياة الكثيرين، وفي هذا الموضوع يقف أيضًا ضدّ الرقابة على استجوابات CIA من قبل الكونغرس.
كذلك الأمر في ما يتعلق بقضية المناخ؛ الرجل الذي اعتبر اتفاق باريس بشأن المناخ كارثيًا وأن الاحتباس الحراري خرافة في بداية مسيرته، تراجع عن ذلك وأقرّ بمسؤولية البشر عن القضية.
يؤمن بينس بحريّة الصحافة، وقد حاول سابقًا استصدار قانون فيدرالي يضمن لهم الحفاظ على سريّة مصادرهم، وهذه هي نقطة الاختلاف الكبرى عن ترامب. وبحسب تصريحه خلال الحملة الانتخابية أنه يراجع وترامب سياسة الحملة في التعامل مع الصحافيين، لكن وجوده لم يغيّر الكثير في هذا الشأن حتى بعد وصول الرئيس الأميركي للجناح الغربي من البيت الأبيض.
إبّان حكمه لولاية إنديانا، وضع بينس قانونًا يُلزم بحرق أو دفن أنسجة الأجنة الناتجة عن الإجهاض، كما ساهم في حملات وقف التمويل عن مشاريع تنظيم الأسرة، وعارض حملات تسعى لتصنيف الجرائم ضد مجتمع LGBT كجرائم كراهية، كما أنه يقف ضدّ وجودهم داخل مؤسّسة الجيش، وأشاد بقانون الرعاية الصحيّة الذي يؤيّد إلغاءه حاليًا.
ثارت موجة من الجدل في أعقاب إصداره قانون حرّية الأديان عام 2015؛ ومفاده أن لرب العمل الحرية في عدم المشاركة في زيجات المثليين. وتحدى إدارة الرئيس أوباما برفضه استقبال اللاجئين السوريين في إنديانا.
أما عن ذوي البشرة الملونة؛ يؤيّد بينس برامج التفتيش والتوقيف للملونين في نيويورك، ويسعى لتوسيعها لتشمل كل الولايات، كما سبق له أن استنكر تصريحات الناشطين في أعقاب إطلاق الشرطة النار على بعض الأميركيين من أصل إفريقي، وفي عام 2009 عارض قانون منح الجنسية الأميركية فوريًا لمواليد الولايات المتحدة.
يرتبط نائب الرئيس الأميركي بعلاقة وثيقة مع مؤسّس شركة بلاك ووتر "إيريك برينس"، ونجد هنا بعض المواقف المثيرة للريبة أهمها حفل الاستقبال الذي نظمه بينس مع الحزب الجمهوري في واشنطن لاستقبال برينس بعد أشهرٍ من مجزرة "ساحة النسور" في العراق. وفي السياق ذاته يعارض بينس فرض قيود على الشركات المتفرّدة بالخدمات التعاقدية، كما أنه يعارض تقديم التعويضات للأميركيين المتضرّرين من اتفاقيات التجارة الحرّة؛ التي يؤيّدها بشكل مطلق بعكس ترامب.
يتوافق ترامب ونائبه في السياسات الخارجية، فهو يؤيّد بناء جدار على الحدود المكسيكية ويؤمن بالعزل الاقتصادي على إيران كبديل عن المواجهة العسكرية، ففي 2010، صرّح بضرورة دعم إسرائيل في حال شنّت هجومًا استباقيًا على منشآت إيران النووية، كما دافع عن استخدام إسرائيل للقوّة المفرطة في غزة.
تتعثّر الإدارة الأميركية الجديدة وتتخبّط تصريحاتها بشأن الأولوية الأميركية في سورية خصيصًا بعد الغارة على مطار الشعيرات، ليخرج بينس عن صمته في 20 إبريل/ نيسان ويقول إن العالم أصبح يعرف الآن قوّة الرئيس وحسمه في قراراته بعد الهجوم على كل من سورية وأفغانستان.
تستمر الأحاديث عن سلوكيات ترامب ولغته، وبالتدريج عن مدى سلامة بقائه في مركز القوة، بعد اضطرابات دولية نتيجة مواقفه مع دول مثل أستراليا والصين، إضافة للتلميحات عن علاقته الجيّدة بروسيا؛ وهو ما يعتبر تدنيسًا لنواميس الإدارات الأميركية المتعاقبة.
وإن كان أهم حدث يعصف بهذه الإدارة هو استقالة مايكل فلين مستشار الأمن القومي عقب فضيحة التقائه بشكل غير رسمي مع السفير الروسي قبيل تنصيب ترامب.
ترجح التقارير الصحافية أن لبينس دوراُ كبيرًا في حدوث هذه الاستقالة بعد أن اكتشف كذب فلين عليه حول مضمون المحادثة التي أجراها مع السفير الروسي، ومن المتوقّع بدء تحقيق فيدرالي قد يصل لاستجواب الرئيس بعد الفضيحة الأسرع في تاريخ الفترات الرئاسية الأميركية؛ بعد 25 يوماً من وصول الإدارة الجديدة للبيت الأبيض.
بحسب البروفيسور رونالد فينمان، المختص في التاريخ الأميركي، بإمكان بينس أن يستعمل التعديل 25 في القسم الرابع، إذا استمرّت الأمور بالتدهور ما ينقل صلاحيات الرئيس إليه إذا وافق الكونغرس. وسواءً حصل هذا أم لا؛ يرى البروفسور أن ترامب لن يكمل ولايته، ومن المرجّح أنه سيترك منصبه ليكون ثاني أقصر ولاية بعد ويليام هاري هاريسون (31 يومًا) متفوقًا على ويليام جيرالد (199 يومًا)، وبكل تأكيد لن يصمد 16 شهرًا و5 أيام إسوة بـ زاكري تايلور.