01 نوفمبر 2024
دولة غزة؟
تزايدت في الأيام الأخيرة التصريحات من المسؤولين في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن التفاهمات التي تم إبرامها في القاهرة مع القيادي المفصول في حركة فتح، محمد دحلان. وإذا كان من المفهوم أن تسعى الحركة الإسلامية إلى أي وسيلةٍ لتخفيف وقع الحصار عن أبناء قطاع غزة، إلا أن التسريبات والتصريحات تفيد بأن التفاهمات لا تقف عند هذا الإطار، وتتعداه إلى ما هو أشمل، وتكاد تكون تكريساً لواقع الانفصال السياسي والجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية، وتشكيل ما يشبه "دولة غزة" بزعامة محمد دحلان.
التصريح الذي صدر عن أحمد يوسف، المقرّب من "حماس"، والذي تحسب تصريحاته أحياناً على الحركة، كشف عن هذه الجزئية من التفاهمات التي لا تزال غامضة. نفت الحركة رسمياً وجود مثل هذا الأمر، من دون أن تستبعد ذلك على المدى البعيد. هذا ما يمكن استخلاصه من كلام رئيس كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية، القيادي في حركة حماس، محمود الزهار، والذي أشار إلى أن تعيين دحلان زعيماً لغزة يكون عبر الانتخابات. وأضاف إن "التفاهمات التي أجرتها حركة حماس مع النائب محمد دحلان تركزت على ثلاث قضايا تتمثل في: تفعيل المجلس التشريعي، وإنجاز ملف المصالحة المجتمعية، وتفعيل لجنة التكافل الوطني الإسلامي ومشاريع الفقراء".
يحمل هذا التصريح أبعاداً أكبر من مجرد تسهيل الحياة في داخل القطاع المحاصر وفتح معبر رفح لنحو مليون ونصف المليون فلسطيني عالقين في غزة منذ سنوات، إذ يبدو أن "حماس" تتعاطى مع دحلان على أنه أكثر بكثير من مجرّد قيادي مفصول من حركة فتح، أو رجل صاحب علاقات واسعة مع النظامين في مصر والإمارات. فالقضايا التي تمحورت حولها التفاهمات، وبإقرار من الزهار نفسه، تحمل أبعاداً مستقبلية، تشير إلى أن الحركة تتعامل مع دحلان على أنه "الزعيم الفلسطيني الجديد".
يفترض أن تكون الملفات الثلاثة التي يتحدث عنها الزهار بالتفاهم مع السلطة الفلسطينية، والتي لا يزال قطاع غزة، اسمياً على الأقل، خاضعاً لسلطتها. على سبيل المثال، يمكن النظر إلى النقطة الأولى بالتفاهمات التي يتحدث عنها القيادي في حركة حماس، وهي الخاصة بتفعيل المجلس التشريعي، وطرح سؤال بديهي حول علاقة محمد دحلان بهذا الأمر، وأي سلطةٍ يملك هذا الرجل لتفعيل عمل المجلس الذي يفترض أنه من المؤسسات الرئيسية للسلطة الفلسطينية، ومن صميم عمله أن يسائل ويحاسب الحكومة والسلطة على أفعالهما. فأي تفعيلٍ يتم الحديث عنه بمعزل عن السلطة المركزية، إلا إذا كان المقصود تشكيل مجلس تشريعي مستقل لقطاع غزة؟
قد تكون الإجابة على هذا السؤال في كلام الزهار نفسه، حين قال إن "من يحدد من يكون زعيماً لغزة هو الشعب الفلسطيني من خلال الانتخابات". لم يوضح الزهار عن أي انتخاباتٍ يتحدث، هل هي البلدية المفترضة والمؤجلة، أم أن هناك انتخابات أخرى لإخراج "زعيم" للقطاع؟ وأساساً ما هو المقصود بتعبير "زعيم غزة" الذي ظهر فجأة إلى العلن من خلال تسريبات التفاهمات بين "حماس" ودحلان.
وإذا تناسينا هذه الإشارة من التصريح، واعتبرنا أن الزهار خانه التعبير، فإن الجزء الآخر من التفاهمات لا يقل خطورةً عن جزئية المجلس التشريعي. فالحديث عن المصالحة المجتمعية والمشاريع الإنمائية في قطاع غزة، أيضاً من المفترض أن تكون من مهام السلطة المركزية التي تتقاعس عنها لاعتبارات المناكفة والانتقام الجماعي الذي تمارسه بحق القطاع وأهله. لكن، هل يحتم هذا إنشاء سلطة بديلة أو "مشروع دولة مستقلة" في غزة؟