دولة عميقة أميركية؟

23 فبراير 2017
+ الخط -
عاد مصطلح "الدولة العميقة" لتصدّر المشهد مجدداً، لكن هذه المرة من البوابة الأميركية، إحدى أعرق الديمقراطيات في العالم. اليوم بعد أكثر من شهر على تولي دونالد ترامب السلطة، يبدو أن الأميركيين أكثر شكوكا تجاه نظامهم وديمقراطيتهم، في ظل اختبار المؤسسات الذي يمرّون به.
كان مصطلح "الدولة العميقة"، المتداول كثيراً في أدبيات تركيا ما بعد مصطفى كمال أتاتورك، بمثابة النموذج التفسيري الأبرز لكل ما يحدث في مصر بعد ثورة 25 يناير، واكتسب المصطلح رواجا كبيرا بعد أن استخدمه فهمي هويدي في 2012. من هنا، أصبح المصطلح رائجا في الفضاءات العربية كما لم يكن من قبل، باعتبار أن النخب المهيمنة في العالم العربي قبل 2011 كانت تحكم عاريةً، وعلانية، من دون الحاجة لغطاء سري.
في الولايات المتحدة، كان هناك حديث عن الدولة العميقة مع ترشح هيلاري كلينتون وجيب بوش، باعتبار الأولى تستفيد من "دولة زوجها بيل كلينتون" في مقابل إمكانية استخدام جيب دولة أخيه جورج بوش الابن، إن صح الوصف، لكن فوز ترامب نفى هذا كله. فجيب بوش سقط مبكرا من السباق في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري، وخسرت هيلاري على الرغم من كل الدعم الذي حظيت به.
يعود اليوم مصطلح "الدولة العميقة" للواجهة أميركياً على إيقاع الفضائح والتسريبات التي تحيط بترامب، وتسببت، حتى اللحظة، باستبعاد بول مانفورت وكارتر بيج ومستشار الأمن القومي مايكل فلين. وهنا، تبدو الأمور أكثر غموضا مما تبدو عليه في الوهلة الأولى.
في السياق التركي، فهمت "الدولة العميقة" باعتبارها دولة مؤدلجة، ضد الإسلاميين، وتلعب دور حماية العلمانية. وفي مصر بعد 25 يناير، اعتبرت الدولة العميقة دولة العسكر التي لم ترغب بالتنازل عن السلطة لرئيسٍ منتخب بصورة ديمقراطية، فضلا عن أن يكون من الإسلاميين، فما معنى "الدولة العميقة" في السياق الأميركي؟
بين الحربين العالميتين، وفي أجواء الكساد العظيم، بدأت الحكومة الأميركية بالتضخم، على عكس الأيدولوجيا التي حكمت المؤسسات الأميركية لما يقارب القرن ونصف القرن آنذاك. هنا تضخم جهاز بيروقراطي متجاوز للحزبين، وتوجهاتهم السياسية، محاولا تأسيس دولةٍ تقدم الحد الأدنى من الرعاية، خشيةً من المد الشيوعي، وفي محاولة لاحتواء تأثيرات الكساد السلبية. مع تضخم الدولة، أصبح عدد الموظفين الذين يعيّنهم الرئيس المنتخب أقل مما كان عليه، بسبب وجود مؤسسات بيروقراطية أكثر ثباتاً.
لم يتم التعامل مع هذه المؤسسة البيروقراطية باعتبارها خاضعة لأيدولوجيا، على غرار تركيا، ولا مجموعة مصالح، على غرار مصر. لكن الحديث عن دورها في صياغة المصالح القومية الأميركية بدأ بالتصاعد.
في 2014 نشر أستاذ القانون الدولي، مايكل غلينون، كتابا عن "الأمن القومي والحكومة المزدوجة"، يذهب فيه إلى أن سياسات الأمن القومي الأميركية كانت ثابتة إلى حد كبير خلال عهدي جورج بوش الابن وباراك أوباما، مرجعا هذا إلى الدور الذي يلعبه المسؤولون التنفيذيون في الدوائر الأمنية الأميركية، والذين يعتبرون أنفسهم متجاوزين تباينات الحزبين.
الحديث عن الأمن القومي تحديدا هو ما يجعل فكرة الدولة العميقة في أميركا مربكة، فإذا كان هجوم الإعلام الليبرالي على إدارة ترامب ممارسة ديمقراطية طبيعية، فما يمنع اعتبار تتبع علاقات هذه الإدارة بروسيا واجبا لحماية الأمن القومي؟
لكن هذه الفكرة خطرة على الديمقراطية، فإذا كانت المؤسسات الأمنية تسرّب وثائق أمنية حساسة، وتحشد جهودها لمواجهة رئيس منتخب علنا، وعن طريق الإعلام، فأي معنىً للانتخابات؟ من هنا، كان الخوف من مفهوم الدولة العميقة مبرّرا. لذا، كتب ديفيد غراهام في "ذا أتلانتك" قبل يومين مقالة عنوانها "لا توجد دولة عميقة في أميركا"، موضحاً خطر هذا المفهوم على الديمقراطية من جهة، والتباين الكبير بين طريقة استخدام المصطلح في أميركا، مقارنةً بالسياق التركي "الصلب".
424F7B7C-113B-40E9-B0BD-EFA3B6791EB5
بدر الراشد

كاتب وصحافي سعودي