تشير الوثائق إلى وجود 150 دار نشر في تونس تحمل أسماء وعناوين مختلفة وتغطي كل المحافظات التونسية تقريباً. إلا أن ما يعادل 50 دار نشر فقط تعمل اليوم وفق ما يؤكد اتحاد الناشرين التونسيين، في ظل صعوبات مادية مختلفة ووسط تراجع نسبة الكتب المطروحة للطباعة والنشر، نتيجة المصاريف الكبيرة التي لا تغطيها المداخيل المتأتية من بيع الكتب والمطبوعات الأخرى.
ويعتبر مجال النشر في تونس صناعة تقوم أساساً على تمويل إصدار الكتاب في كامل مراحله، انطلاقاً من توظيف لجنة القراءة مروراً بالتدقيق والطباعة والسحب، وصولاً إلى الترويج له عبر المعارض في الداخل والخارج، دون نسيان نصيب المؤلّف من الإيرادات والتي تتراوح بين 10% و12% من مجموع الأرباح.
في محاولة منه لتشخيص واقع منظومة إنتاج الكتاب التونسي والوقوف عند أبرز المعوقات، يقول رئيس اتحاد الناشرين التونسيين، محمد الصالح معالج، لـ "العربي الجديد"، إن الكتاب التونسي يعيش أزمة حقيقية منذ سنوات. ولتفادي مشاكل ما تبقى من دور النشر التونسية يجب زيادة ميزانية "لجنة الشراءات" في وزارة الثقافة. ويقترح تمكين دور النشر التونسية من فرصة إنتاج الكتاب المدرسي والجامعي، مع تحسين منظومة الجوائز الوطنية لتشجيع المؤلفين على الكتابة والإبداع، والقراء على اقتناء الكتب والمنشورات. ويعتبر معالج أن هذه الآلية تضمن استنهاض صناعة الكتاب في تونس وإعادة الروح إلى دور النشر، التي تحتضر بغالبيتها بفعل اختناقها بالمصاريف والضرائب وارتفاع كلفة المستلزمات المادية لإنتاج الكتاب. وهو ما دفع بعض دور النشر إلى الإغلاق وإعلان إفلاسها.
فقد بلغت ميزانية وزارة الثقافة المخصصة لدعم الورق 800 ألف دينار تونسي سنة 2015، وناهزت 1.2 مليون دينار تونسي خلال الفترة نفسها من العام الذي سبقه. ووصلت الاعتمادات المخصصة لاقتناء الدوريات والمجلات في العام ذاته إلى 400 ألف دينار تونسي، حسب ما يؤكد مدير إدارة الكتاب بالوزارة، عز الدين العبيدي، لـ "العربي الجديد". في المقابل تتواصل شكاوى أصحاب دور النشر منددة بسياسة التقشف، التي تعتمدها وزارة الثقافة مع مجال صناعة الكتاب في تونس.
عادل الهمامي، شاعر وصحافي تونسي، كانت له تجربة فاشلة في تأسيس دار نشر. يقول الهمامي لـ "العربي الجديد": "سنة 1998 اضطررت بفعل ارتفاع كلفة نشر كتاب لدى دور النشر إلى فتح (دار الامتياز للنشر والتوزيع)، لأقوم بإغلاقها في ما بعد والعودة إلى طباعة مؤلفاتي لدى دار نشر أخرى، وذلك لضعف الموارد المادية وغياب الدعم الحكومي لهذا المجال".
ويشرح الهمامي أن تكاليف نشر كتاب يحتوي على 80 صفحة بمقاس 21/13.5 سنتمتراً وبوزن 80 غراماً من ورق الغلاف تبلغ 1200 مليم للكتاب الواحد وبقيمة مليون و200 دينار تونسي بالنسبة للألف نسخة. تقتني منها وزارة الثقافة 300 نسخة وتفرض عليك دار النشر المعنية بالكتاب شراء 12% من مجموع الكتب المطبوعة. وهو ما يجعل سبل التفاهم بين المؤلف والناشر معطلة، ما يضطر المؤلف إلى هجر دور النشر والتعامل مباشرة مع المطابع والتكفل بنشر وتوزيع الكتاب. ويشدد الهمامي على أن الإطار العام الذي تعمل فيه دور النشر في تونس غير مريح ويتطلب مصاريف ودعماً ماليّاً كبيراً لتغطية النفقات وضمان الاستمرارية وفق ما تمليه بنود كراس الشروط.
في السياق ذاته، تقول سناء الغربي، وهي عاملة في إحدى دور النشر، إن القطاع يعيش حالة احتضار قد تؤدي إلى إغلاق العشرات من دور النشر في المرحلة المقبلة. وتشرح أنها تعمل منذ سنوات مع دار النشر دون أي ضمانات اجتماعية أو عقد قانوني أو راتب في مستوى مردودية العمل، لتجد نفسها منذ أكثر من شهرين من دون راتب، نتيجة الخسائر التي منيت بها الدار.
من جهته، تحدث الكاتب والصحافي، شكري البصومي، عن الوضع العام لدور النشر، قائلاً إن أكثر الكتاب ينشرون على حسابهم الخاص. وأغلب الناشرين يعطون للكاتب نسخاً مقابل الطباعة لأن صفة "ناشر" لا تنطبق على غالبيتهم، بل يصح وصفهم بـ "متعهدي مطابع". ويضيف: "كانت لي تجربة قصيرة مع النشر لم أجن منها سوى 150 نسخة من الطبعة الأولى من كتابي "مراسم الكذب"، و300 دينار حقوق تأليف عن الكتاب نفسه مع ناشر آخر. أما الذين يريدون الطباعة على حسابهم الخاص، فالفاتورة تبدأ من 3 آلاف دينار عن الألف نسخة.
بدوره، يقول الكاتب، هادي يحمد، لـ "العربي الجديد"، إن أحد أهم الإشكاليات في علاقة الكاتب بدور النشر في تونس هي الحقوق الأدبية للكاتب. ومع غياب التشريعات الواضحة عادة ما تستأثر دور النشر بالأرباح المتأتية من الكتب، دون إعطاء الكاتب حقوقه كاملة. والمشكلة الثانية ترتبط بقضية النشر بحد ذاتها، إذ تفتقر دور النشر إلى الآليات الكافية لإيصال الكتاب إلى مختلف ولايات الجمهورية، حيث تقتصر غالبيتها على توزيع الكتاب في المدن الكبرى.
ولعل هذه الأسباب وغيرها ما يجعل الكاتب التونسي يتنازل عن دور النشر، ليتعامل مباشرة مع المطابع ويتكفل بمهمة توزيع مؤلفاته بطرقه الخاصة، واعتماداً على علاقاته الشخصية. وهو ما أدى إلى إفلاس العديد من دور النشر وإغلاقها ليبقى البعض منها في حالة مد وجزر مرتبطة بمدى إقبال الكتّاب على التعامل معها.
في محاولة منه لتشخيص واقع منظومة إنتاج الكتاب التونسي والوقوف عند أبرز المعوقات، يقول رئيس اتحاد الناشرين التونسيين، محمد الصالح معالج، لـ "العربي الجديد"، إن الكتاب التونسي يعيش أزمة حقيقية منذ سنوات. ولتفادي مشاكل ما تبقى من دور النشر التونسية يجب زيادة ميزانية "لجنة الشراءات" في وزارة الثقافة. ويقترح تمكين دور النشر التونسية من فرصة إنتاج الكتاب المدرسي والجامعي، مع تحسين منظومة الجوائز الوطنية لتشجيع المؤلفين على الكتابة والإبداع، والقراء على اقتناء الكتب والمنشورات. ويعتبر معالج أن هذه الآلية تضمن استنهاض صناعة الكتاب في تونس وإعادة الروح إلى دور النشر، التي تحتضر بغالبيتها بفعل اختناقها بالمصاريف والضرائب وارتفاع كلفة المستلزمات المادية لإنتاج الكتاب. وهو ما دفع بعض دور النشر إلى الإغلاق وإعلان إفلاسها.
فقد بلغت ميزانية وزارة الثقافة المخصصة لدعم الورق 800 ألف دينار تونسي سنة 2015، وناهزت 1.2 مليون دينار تونسي خلال الفترة نفسها من العام الذي سبقه. ووصلت الاعتمادات المخصصة لاقتناء الدوريات والمجلات في العام ذاته إلى 400 ألف دينار تونسي، حسب ما يؤكد مدير إدارة الكتاب بالوزارة، عز الدين العبيدي، لـ "العربي الجديد". في المقابل تتواصل شكاوى أصحاب دور النشر منددة بسياسة التقشف، التي تعتمدها وزارة الثقافة مع مجال صناعة الكتاب في تونس.
عادل الهمامي، شاعر وصحافي تونسي، كانت له تجربة فاشلة في تأسيس دار نشر. يقول الهمامي لـ "العربي الجديد": "سنة 1998 اضطررت بفعل ارتفاع كلفة نشر كتاب لدى دور النشر إلى فتح (دار الامتياز للنشر والتوزيع)، لأقوم بإغلاقها في ما بعد والعودة إلى طباعة مؤلفاتي لدى دار نشر أخرى، وذلك لضعف الموارد المادية وغياب الدعم الحكومي لهذا المجال".
ويشرح الهمامي أن تكاليف نشر كتاب يحتوي على 80 صفحة بمقاس 21/13.5 سنتمتراً وبوزن 80 غراماً من ورق الغلاف تبلغ 1200 مليم للكتاب الواحد وبقيمة مليون و200 دينار تونسي بالنسبة للألف نسخة. تقتني منها وزارة الثقافة 300 نسخة وتفرض عليك دار النشر المعنية بالكتاب شراء 12% من مجموع الكتب المطبوعة. وهو ما يجعل سبل التفاهم بين المؤلف والناشر معطلة، ما يضطر المؤلف إلى هجر دور النشر والتعامل مباشرة مع المطابع والتكفل بنشر وتوزيع الكتاب. ويشدد الهمامي على أن الإطار العام الذي تعمل فيه دور النشر في تونس غير مريح ويتطلب مصاريف ودعماً ماليّاً كبيراً لتغطية النفقات وضمان الاستمرارية وفق ما تمليه بنود كراس الشروط.
في السياق ذاته، تقول سناء الغربي، وهي عاملة في إحدى دور النشر، إن القطاع يعيش حالة احتضار قد تؤدي إلى إغلاق العشرات من دور النشر في المرحلة المقبلة. وتشرح أنها تعمل منذ سنوات مع دار النشر دون أي ضمانات اجتماعية أو عقد قانوني أو راتب في مستوى مردودية العمل، لتجد نفسها منذ أكثر من شهرين من دون راتب، نتيجة الخسائر التي منيت بها الدار.
من جهته، تحدث الكاتب والصحافي، شكري البصومي، عن الوضع العام لدور النشر، قائلاً إن أكثر الكتاب ينشرون على حسابهم الخاص. وأغلب الناشرين يعطون للكاتب نسخاً مقابل الطباعة لأن صفة "ناشر" لا تنطبق على غالبيتهم، بل يصح وصفهم بـ "متعهدي مطابع". ويضيف: "كانت لي تجربة قصيرة مع النشر لم أجن منها سوى 150 نسخة من الطبعة الأولى من كتابي "مراسم الكذب"، و300 دينار حقوق تأليف عن الكتاب نفسه مع ناشر آخر. أما الذين يريدون الطباعة على حسابهم الخاص، فالفاتورة تبدأ من 3 آلاف دينار عن الألف نسخة.
بدوره، يقول الكاتب، هادي يحمد، لـ "العربي الجديد"، إن أحد أهم الإشكاليات في علاقة الكاتب بدور النشر في تونس هي الحقوق الأدبية للكاتب. ومع غياب التشريعات الواضحة عادة ما تستأثر دور النشر بالأرباح المتأتية من الكتب، دون إعطاء الكاتب حقوقه كاملة. والمشكلة الثانية ترتبط بقضية النشر بحد ذاتها، إذ تفتقر دور النشر إلى الآليات الكافية لإيصال الكتاب إلى مختلف ولايات الجمهورية، حيث تقتصر غالبيتها على توزيع الكتاب في المدن الكبرى.
ولعل هذه الأسباب وغيرها ما يجعل الكاتب التونسي يتنازل عن دور النشر، ليتعامل مباشرة مع المطابع ويتكفل بمهمة توزيع مؤلفاته بطرقه الخاصة، واعتماداً على علاقاته الشخصية. وهو ما أدى إلى إفلاس العديد من دور النشر وإغلاقها ليبقى البعض منها في حالة مد وجزر مرتبطة بمدى إقبال الكتّاب على التعامل معها.