صار يمكن للغزّيين المقبلين على الزواج، المشاركة في دورات تقدّم لهم استشارات نفسية حول الزواج، لمساعدتهم في بدء حياتهم بشكل جيد، وتعلّم كيفية التغلب على المشاكل. ففي ظل الأزمات الكثيرة التي يعاني منها قطاع غزة، تحمّس بعض الشبان والشابات للالتحاق بهذه الدورات.
أكثر ما يريده هؤلاء هو بناء حياة أسرية مستقرة في القطاع، نظراً لعدم وجود استقرار اجتماعي في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والحصار، وغيرها من المشاكل الاجتماعية، علماً أن نسبة الطلاق في القطاع ارتفعت خلال السنوات الخمس الأخيرة. وبحسب إحصائيات ديوان القضاء الشرفي في غزة عام 2014، هناك 2627 حالة طلاق في مقابل 16128 زيجة، وذلك بسبب المشاكل الاجتماعية الكثيرة.
التحقت دنيا بمركز "رخصة" التدريبي، آملة الحصول على الإرشادات التي تخوّلها بدء حياة زوجية سعيدة، تكون قادرة فيها على تحمّل مسؤولية أسرتها. تقول لـ "العربي الجديد": "حصلت على دروس في المجالات النفسية والصحية والاجتماعية، علها تساعدني على وضع مرتكزات البيت الزوجي"، لافتة إلى أن "وقع المسؤولية بات أخف". بقيت أسابيع قليلة على موعد زفاف دينا. وعلى الرغم من انشغالاتها الكثيرة، إلّا أنها تصرّ على حضور هذه الدروس. تضيف أن "معظم المقبلات على الزواج هذه الأيام لا يفكرن إلا في حفل الزفاف الرائع وشهر العسل، ما يجعل المرحلة التالية أقل سعادة".
تشير دينا إلى أن معظم الفتيات من حولها لم يتقبلن الأمر، ويكتفين بالتحدث مع أمهاتهن فقط. أما هي، فلم تر عيباً في الحصول على بعض الاستشارات من المتخصّصين في هذا المجال، وحاولت قدر المستطاع الاستفادة من الإرشادات حول كيفية بناء أسرة متماسكة.
تجدر الإشارة إلى أن البرنامج ليس حكراً على الإناث فقط، علماً أن بعض الرجال بدوا متحمسين أيضاً، وشاركوا في الجلسات، حتى تلك المتعلقة بالصحة الإنجابية، وكيفية احتواء المشاكل الأسرية، وغيرها.
يقول مصطفى، وهو أحد المشاركين، لـ "العربي الجديد"، إن "المجتمع الغزيّ لا يوافق على استعانة الرجل بمتخصصين في الحياة الزوجية، انطلاقاً من فكرة كونه رجلاً قادراً على تدبر الأمور". لكنه شعر براحة نفسية من خلال مشاركته هذه، ويتمنى أن تنتشر بصورة أكبر في القطاع.
ويعدّ برنامج "رخصة" الأول من نوعه في قطاع غزة، ويهدف إلى إرشاد المقبلين على الزواج. في هذا السياق، تقول رشا جعرور، وهي إحدى مؤسسي البرنامج، إن "الفكرة جاءت بعد دراسة دقيقة لواقع المجتمع الفلسطينيّ، الذي يعاني من تفكك أسري ناتج عن خلافات بسيطة. نسعى إلى تقديم استشارات لربات البيوت كمرحلة أولى، ثم تقديمها للمقبلين على الزواج، بهدف الحد من نسب الطلاق وبناء مجتمعات أكثر تماسكاً". ويسعى البرنامج إلى إرشاد وتعريف المقبلين على الزواج حول اختيار الشريك، بالإضافة إلى الحقوق والواجبات، وكيفية احتواء المشاكل الزوجيّة وتعزيز ثقافة الحوار البنّاء، بالإضافة إلى إكساب الجنسين مهارات اقتصادية وحياتية لبناء الأسرة.
وتشير جعرور إلى ارتفاع نسبة الطلاق في قطاع غزة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، ما دفع القيمين على البرنامج إلى وضع الأسس من خلال الاعتماد على عدد من الدراسات التي أجرتها مراكز نسوية وحقوقية لرصد قضايا العنف الأسري، وبدأ البرنامج في وضع طرق العلاج، وتحفيز أرباب الأسر والمقبلين على الزواج على تعزيز الانتماء للأسرة.
من جهة أخرى، يشير عدد من الناشطين إلى وجوب تعميم الفكرة بشكل أوسع في جميع المؤسسات، فهي محصورة جداً لدى بعض المؤسسات التي تكتفي بالنصح والإرشاد في مجال واحد من مجالات المنفعة الزوجية مثل الصحة الإنجابية والحقوق فقط.
استقرار أسري
تقول الناشطة فاتن حرب، لـ "العربي الجديد"، إن مثل هذه البرامج تساهم في تحقيق الاستقرار الأسري والمجتمعي، وخصوصاً أنها تتحدّث عن الاختلافات بين الجنسين. وتلفت إلى أن "مجتمعنا يحتاج إلى معرفة هذه التفاصيل، وخصوصاً أننا منغلقون على الثقافة الزوجية في ظل الحصار الفكري المفروض علينا". وتشير إلى أن بعض الأزواج عانوا من مشاكل كبيرة بسبب قلة الوعي لدى الطرفين.