في سابقة هي الأولى في تاريخ الجمهورية التركية، ترشح سياسي كردي ممثلاً عن الحركة "القومية الكردية" للانتخابات الرئاسية. فقبل يوم واحد فقط من إعلان حزب "العدالة والتنمية" التركي عن مرشحه لرئاسة الجمهورية، أعلن حزب "الشعوب الديمقراطية" أحد الأجنحة السياسية لحزب "العمال الكردستاني"، الرئيسَ المشارك للحزب صلاح الدين دميرتاش، كمرشح عن الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في 10 أغسطس/آب المقبل.
وقد تم وضع صورة فوتوغرافية كبيرة في القاعة التي تمّ إعلان اسم المرشح الرئاسي فيها، وقد كتب على صورة دميرتاش، شعار "مرشح الشعوب والتغيير: صلاح الدين دميرتاش"، في إشارة إلى عملية السلام بين "العمال الكردستاني" والحكومة والتي يعتبرها الحزب مهمته ورسالته الأساسية التي أنشئ لأجلها.
وبطبيعة الحال لم يترشح دميرتاش، آملا بالحصول على منصب الرئاسة، فالأمر يكاد يكون من المستحيلات، بحسب المحللين الأتراك، إذ إن أصوات الحزب في الانتخابات تعتمد فقط على المواطنين الكرد الذين لا يشكلون بحسب إحصاءات غير رسمية أكثر من 20 في المئة من مواطني الجمهورية التركية. في المقابل، لم تنل فيه الأذرع السياسية لحزب "العمال الكردستاني" في تاريخ مشاركتها في الانتخابات التركية في أحسن أحوالها أكثر من 6.5 في المئة من مجموع الأصوات، والتي كان آخرها الانتخابات البلدية في مارس/أذار الماضي، لكن لهذه الخطوة رمزيتها الكبيرة، إذ تعتبر بحسب كثير من المراقبين، بأنها تسدل الستار نهائياً على فكرة كردستان المستقلة.
ويبدو أن الحركة "القومية الكردية" في تركيا ممثلة بحزب "العمال الكردستاني" قد حسمت خياراتها في البقاء جزءاً من جمهورية تركية ديمقراطية قوية، ليس تصريحاً فحسب بل ممارسة سياسية أيضاً، حيث إن الحل السياسي للقضية الكردية هو الخيار الاستراتيجي الذي يفترض بأنه سينتهي بتخلي مقاتلي "العمال" عن سلاحهم، وذلك على الرغم من الآراء التي تطالب "العدالة والتنمية" بإعادة النظر بعملية السلام برمتها مع "العمال الكردستاني" في ظل التغيرات الجديدة في الشرق الأوسط، والدور الذي يلعبه الحزب في كل من سورية والعراق والذي بات يشكل عقبة حقيقية في وجه التخلي عن السلاح.
أما المعارضة القومية التركية، فقد اعتبرت ترشح ديميرتاش، تعبيراً عن قوة ما تطلق عليه "المنظمة الإرهابية" في إشارة إلى حزب "العمال الكردستاني" التي ازدادت في الداخل التركي، بعد بدء عملية السلام. وأكدت أن الحزب يعيش بفضل عملية السلام أقوى فتراته منذ تأسيسه قبل 30 عاماً، فلم تستطع المنظمة قبل ذلك الوصولَ إلى قاعدة عريضة كالتي تحوزها الآن، كما لم تصل قدرتها التسليحية وعدد عناصرها إلى هذا المستوى قبل ذلك، ولم تكن الأوراق السياسية في يدها وتحت تصرفها ومواتية إلى هذه الدرجة فيما مضى، إذ إنها تشكل اليوم لاعباً مهماً ليس في تركيا فحسب بل في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
وتشير الكثير من التقارير الصحافية إلى أن الكتلة التصويتية الكردية تميل إلى عدم التصويت إلى المرشح المشترك لكل من حزب "الشعب الجمهوري" وحزب الحركة "القومية" إحسان أوغلو، حتى في الجولة الثانية في حال لم يحسم مرشح "العدالة والتنمية" الصراع من الجولة الأولى، لأسباب كثيرة بدءاً من أن إحسان أوغلو ليس مرشح حزب "الشعب الجمهوري" بقدر ما هو مرشح حزب الحركة "القومية" ( الحزب القومي التركي والذي يعتبر العدو الأول للكرد وقضيتهم) وصولاً إلا أنه أثناء فترة وجوده كأمين عام لـ"منظمة المؤتمر الإسلامي" لم يندد لو لمرة واحدة بمجزرة حلبجة التي قام بها الرئيس العراقي السابق صدام حسين ضد كرد العراق.
من جهة آخرى، يحاول حزب "الشعوب الديمقراطية" أن يدفع المواطنين الكرد الميالين لانتخاب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، للتصويت لمرشحه بحجة أن هذا التصويت لن يؤثر على النتيجة النهائية، لكن كل ما في الأمر أنه قد يؤجل حسم الانتخابات من الجولة الأولى ويرسل رسالة قوية لأردوغان، والسياسيين الاتراك على أهمية القضية الكردية ويدفع بحكومة "العدالة والتنمية" لاتخاذ المزيد من الخطوات لحل القضية الكردية كإصدار عفو عام (يشمل زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، والذي يقضي حكما بالسجن المؤبد) ومنح حق التعليم باللغة الأم.
إن جميع التوقعات تشير إلى أن ديمرتاش، لن يحصل في الجولة الانتخابية الأولى في أحسن أحواله على أكثر من 9 - 10 في المئة من الأصوات، ليبقى حزب "الشعوب الديمقراطية" في الجولة الانتخابية الثانية أمام خيارين إما أن يطالب مناصريه بالمقاطعة وهذا أمر مستبعد، أو أنه سيمنح ناخبيه حرية التصويت مما يعني دفعهم نحو التصويت لأردوغان، فيما يشبه الاختيار بين أهون الشرين بالنسبة للحركة "القومية الكردية".
ويعتبر دميرتاش (مواليد 1973) أصغر المرشحين للرئاسة أمام إحسان أوغلو (70عاماً) وأردوغان المرشح المرتقب (60 عاماً)، وهو خريج كلية الحقوق جامعة أنقرة، وقد شغل منصب عضو مجلس إدارة لجمعية حقوق الإنسان فرع ولاية ديار بكر، ومن بعدها رئاسة فرع الجمعية، وعضو إداري في وقف حقوق الإنسان، وعضو إداري في منظمة العفو الدولية في فرعها بتركيا. وانتخب في الفترة 23 من الانتخابات البرلمانية كنائب في البرلمان التركي عن ولاية ديار بكر، كما انتُخب، في وقت سابق من الشهر الماضي، رئيساً مشاركا لحزب "الشعب الديمقراطي" مع النائب جولتان كيشاتاق في المؤتمر العام الطارئ للحزب.