دلالات انتخاب قيس سعيد رئيساً لتونس

15 أكتوبر 2019
+ الخط -

إن انتخاب قيس سعيد رئيسا للجمهورية التونسية يحمل مجموعة من الدلالات، ربما سنبقى وإلى وقت طويل، ونحن نحاول استخلاصها وفهمها وتحليلها على ضوء التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة.

من بين هذه الدلالات.. المصالحة بين المعرفة والسياسة والمصالحة بين الجامعة والمجتمع والمصالحة بين النخبة وقضايا المجتمع، والمصالحة بين اللامنتمين للأحزاب والعملية الانتخابية ناخبين ومنتخبين.

قيس سعيد ظاهرة سياسية جديدة بكل المقاييس، يجب على جميع النخب المغاربية والعربية أن تقف عندها طويلا، فهو يمثل نموذجا جديدا في العمل السياسي، واتجاها جديدا تقدميا في العلاقة بالواقع الدولي والإقليمي، وخاصة رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.


قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري الذي نزع جبة الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، ونزل لحلبة الصراع السياسي من دون أن يكون له لون سياسي، ومن دون التوكؤ على أي خطاب إيديولوجي، استطاع أن يجمع حوله أغلبية الشعب التونسي، وأن يهزم بمنطقه وكاريزميته فلول النظام السابق، وأوتاد الفساد وبائعي الوهم ومزيفي الخطابات، وكشف، بعلمه وقراءته الأكاديمية للواقع السياسي، ضحالة منافسيه ومعارضيه ومهاجميه.

في المغرب ربما ما زال واقعنا السياسي محتاجا لهذه الطينة من الرجال وهذه النوعية من المواقف وهذه النماذج. وإذا حاولنا أن نبحث، فربما يعد الأستاذ محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية الوحيد الذي رفع شعار مصالحة السياسة بالمعرفة، والوحيد الذي حاول أن يجمع العازفين عن الخوض في الواقع السياسي ويصالحهم مع الحياة السياسية، وعمل على تأسيس حزب سياسي يقوم أساسا على الشباب والكفاءات من دون الاستناد إلى التحيزات الإيديولوجية.

ربما نحن بحاجة ماسة إلى المثقفين الحقيقيين لكي ينزلوا إلى الميدان السياسي، وبحاجة إلى المصالحة مع المعرفة السياسية واعتماد أدوات وآليات التحليل السياسي في صياغة البرامج والمشاريع السياسية بدل الشعبوية والمزايدات الحزبية والإيديولوجية.

نحن بحاجة إلى نخب نظيفة سياسيا وأخلاقيا وقيميا.. نخب قادرة على أن تستمع لهموم الشعب وتتجرد من أجل تحقيق طموحات الجماهير، وبناء دولة الحق والقانون والمساواة على أرض الواقع، وليس مجرد شعارات وادعاءات على منصات الحملات الانتخابية سرعان ما تتهاوى بعدها.

قيس سعيد يجب أن يكون نموذجا لأساتذة الجامعات في معظم العالم العربي، وأساتذة القانون العام على الخصوص، لأنهم معنيون بتحليل الشأن العام، ومفروض عليهم أن يكونوا في موضع الناقد والمراقب والمصحح لأداء السلطة السياسية والأنظمة السياسية، وأن يجابهوا الاختلال في كل وقت وحين، وأن ينزلوا إلى الميدان متى تطلب الأمر ذلك، لأن وظيفة المثقف العضوي، كما يذهب إلى ذلك غرامشي، لا تقف فقط عند حدود التنظير، بل تتعداه إلى الاشتباك مع قضايا المجتمع ومعالجتها بالشكل المفروض.