دفاعاً عنّا لا عن قطر

29 يونيو 2017
+ الخط -
حتى تاريخه، ورغم كل ما قيل وتم كشفه، من أسباب تأزم العلاقات الخليجية، لدرجة محاولات حصار وخنق دولة قطر، بيد أن السبب الحقيقي، ربما لم يعلن بعد.

ومما لا يجهله المراقبون، قد يكون احتمال التحضير لانقلاب في قطر من قبل أشقاء الدم والعروبة، أو الخوف من استضافة قطر من لا يرضى بتوريث محمد بن سلمان، من أسرة آل سعود وسواهم، أو قد يكون لإسرائيل علاقة بالأمر. وربما دفع واشنطن "المحاصِرين" بوعود وأمانٍ، لها علاقة بالفزاعة الفارسية... إلى ما هنالك من أسباب من العيار الثقيل، تتعدى انزعاج جوار قطر من ديمقراطيتها وحرية الإعلام فيها، أو حتى علاقاتها مع ثوار الربيع العربي ودعمها لمن أوصلتهم الظروف والأيام والتحولات، لمراتب الإرهابيين، وفق التصنيف الأميركي، على أقل تقدير.

إذ لا ذريعة محطة "الجزيرة" ولا حتى استضافة المعارضين، من إخوان و"حماس" وسواهم، أسباب كافية، لنرى كل هذا الحقد، بين الأشقاء، والذي سيوصل إن استمر، لندم لا يوازيه لا ندم الكسعي ولا هم يحزنون.

فالتقسيم والدمار، ربما سيناريوهات ممكنة، بل وأزيد منها، بعد إشعال واشنطن نيران "العداوة" واعتبارها ما يجري اليوم، شأناً عائلياً ولا تتدخل به.

قصارى القول: كانت المطالب الـ13 التي أرسلتها الدول الأربع لقطر، مع الساعي لرأب الصدع، أمير الكويت، نقلة جديدة على مستوى الخلاف، وأوصلت "الحالة" ربما، لطريق اللاعودة.

فكما امتازت الشروط "بالخبث" لجهة إن وافقت قطر عليها ستتلاشى كدولة ودور. ولم يفت معدو الشروط، سوى أن يحددوا سقف إنتاج قطر من الغاز، وسعره وجهة تصديره، وأن يملوا على الدوحة الاعتذار إلى الفيفا عن استضافة كأس العالم عام 2022.

بيد أنها، أي المطالب، وقعت بأفخاخ بدهية، ومن المفترض ألا يقع القانونيون والمستشارون فيها، إذ أتت الشروط كإنذار من قوي متحكم إلى ضعيف خائف، لتعصف بكل ما قيل عن سيادة الدول، وما خطته كتب الحقوق والقانون الدولي.

ووضعت تلك الشروط قطر، بحالة أو بأخرى، أمام خيارين أحلاهما مرّ، وخاصة أن الأشقاء حددوا 10 أيام للتنفيذ وإلا، فالقطيعة وربما ما هو أكثر، بحسب ما قال وزير الدولة الإماراتي لشؤون الخارجية، أنور قرقوش...عفواً قرقاش.

فإن وافقت فسيزول دورها ومكانتها التي خططت للوصول إليها منذ وصول الأمير الوالد إلى السلطة عام 1995، وإن رفضت فستدخل في نفق خلافات مع الأشقاء والجوار، ثمنه أكثر من الضغط الاقتصادي ولا شك.

وبعيداً عن التنظير وإسداء النصائح، لأن أهل الدوحة أدرى بشعابها، بيد أن لدى الدوحة مطالب بالمقابل، لأن الدول المحاصرة تستضيف وتموّل ولديها من الأسلحة الناعمة، ما يفوق "الجزيرة" تمويلاً وتبعية.

نهاية القول: نتمنى كعرب فقدنا بقايا آمالنا على عتبات الحرية والثورة، ألا يطول الخلاف ويعود لمّ شمل الأسرة الخليجية، إذ لا أعتقد أن المشهد يحتاج إلى المزيد من النقاط الحمراء أو اللطخات السوداء، بعد التحول التدريجي في بوصلة الصراع، من العربي الإسرائيلي إلى السني الشيعي وأخيراً إلى العربي العربي.

والذي يهمنا في الأمر كممتهني الصحافة والساعين إلى حرية الرأي باعتبارها جزءاً من الحريات العامة، أن ثمة سفوراً وسابقة في طلب محاصري قطر، تجلى، فضلاً عن التدخل في سيادتها وعلاقاتها مع الآخرين، بإغلاق شبكة "الجزيرة" وما يصدر عنها من وسائل، وإغلاق "العربي الجديد" بجناحيه المكتوب والإلكتروني، وسواها من الوسائل الإعلامية الحرّة.

ولو جاء ضمن مطالب قطر، إغلاق "العربية" أو "الشرق الأوسط" أو شبكة "إم بي سي" التي تموّلها المملكة، أو "سكاي نيوز" و"العرب" اللتين تموّلهما الإمارات، لكان لنا الموقف ذاته.

وموقفنا، ليس لأن دولا تخاف من الإعلام قد تصل يوماً قريباً لمنع كتابة الشعر وتجريم القصة وتحريم الرسم فحسب، ولا لأن في هذا الطلب سابقة لم تفعلها إسرائيل مع الوسائل الإعلامية الفلسطينية، بل وحتى نظام الأسد. ولما نوى السطو على محطتي "شام وأورينت" أعطى لأصحابهما خيار الشراكة، مع ممثله رامي مخلوف.

بل لكل تلك الأسباب مجتمعة، ويضاف إليها سبب آخر، أننا صحافيون وهذا عملنا، فإن بدأت سبحة الإغلاقات لكل وسيلة لا تُطرب هذا الحاكم أو ذاك السلطان، فسنعود قريباً للإعلام ذي الاتجاه الواحد، الذي يسبح بحمد القائد الأوحد، بكرة وأصيلاً، ما يعني حرقنا سنين ثورتنا، وراح تعب عمرنا، والأثمان التي دفعناها، كرمى لصاحب السمو هنا وصاحب الغبطة والسعادة هناك.