حسب الدعوى التي رفعها صندوق "إف إم كابيتال بارتنرز"، فإن مارينو وافق على صرف حوافز ودفعيات قيمتها عشرات الملايين، خلال السنوات التي أدار فيها الصندوق، وحتى في الفترات التي هبطت فيها قيمة الصندوق بحوالى 64.6 مليون دولار.
ويشير ملف الاتهام المرفوع في المحكمة ضد المصرفي مارينو، إلى أنه استخدم مصاريف إعادة هيكلة وضبط أداء وإدارة الصندوق لمصلحته الخاصة بين أعوام 2009 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2014.
وخسرت الاستثمارات الليبية في هذا الصندوق قرابة 65 مليون دولار، رغم الظروف المواتية لجني أكبر الأرباح من السوق البريطاني في هذه السنوات.
ويلاحظ أن الاستثمارات الأجنبية والخليجية التي تمت بعد أزمة المال في بريطانيا وحتى العام 2013، حققت عوائد ضخمة، وبعضها تضاعف مثل الاستثمارات في أسهم البنوك والموجودات العقارية، لأن الموجودات الثمينة في العقارات وأسهم البنوك البريطانية والعالمية، عرضت بأسعار رخيصة جداً في الأعوام التي تلت أزمة المال وحتى في سنوات أزمة اليورو.
وقد تمكن العديد من المستثمرين الخليجيين من تحقيق أرباح بمليارات الدولارات خلال هذه الفترة التي كانت أسواق المال البريطانية والأوروبية والبنوك العالمية بحاجة ماسة إلى السيولة والمستثمر الذي يملك النقد.
ولكن بالنسبة لصندوق "إف إم كابيتال بارتنرز" الذي يدير أموال ليبيا، فقد كانت النتيجة عكسية، حيث خسر هذا الصندوق أكثر من 60 مليون دولار. والسبب ببساطة لأنها أموال ليبية سائبة ويقال في المثل الشعبي "المال السائب يعلم السرقة".
وحسب الدعوى القضائية المرفوعة، فإن المصرفي مارينو صرف الأموال الليبية ببذح وتبذير شديد في السكن في الفنادق الفاخرة والوجبات والطائرات الخاصة ورحلات الترفيه.
وتشير وكالة بلومبيرغ التي اطلعت على الدعوى إلى أن من بين هذه المصاريف التي شملتها الدعوى 165 ألف جنيه إسترليني (حوالى 230 ألف دولار) صرفها مارينو على إقامته في فندق لانزبره الفاخر في لندن، بما في ذلك 42 ألف جنيه إسترليني على موقف سيارته. كما أن مارينو استخدم بطاقة الائتمان التابعة للصندوق بدون حساب على نفقاته الخاصة.
وتتهم الدعوى المصرفي مارينو باستغلال فترة عدم الاستقرار السياسي والتناحر العسكري في ليبيا خلال سنوات ما بعد سقوط نظام العقيد القذافي للتلاعب بأموال الثروة الليبية.
اقرأ أيضاً: ليبيا ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم
وربما تكشف المحاكمات التي ستبدأ خلال أسابيع الأساليب التي استخدمها هذا المصرفي في التلاعب بأموال ليبيا، لتضاف إلى سجل فضائح استثمارات ليبيا في الخارج التي كشفت عنها المحاكم البريطانية في القضايا المرفوعة ضد مصرفين استثماريين في لندن.
تلاعب غولدمان ساكس وسوسيته جنرال
تضاف هذه القضية إلى تلاعب مصرفي "غولدمان ساكس" و"سوسيته جنرال" التي رفعت قبل عامين ولا تزال تحت النظر تارة والتأجيل تارة أخرى، بسبب وجود سلطتين في ليبيا كل منهما تدعي الأحقية في استلام القضية المرفوعة في محكمة "أولد بيلي" في لندن.
وحسب خبراء في حي المال البريطاني فإن التلاعب الواسع بالأموال الليبية يكشف استغلال البنوك لعدم كفاءة الموظفين الليبيين وقلة خبرتهم وتدريبهم، كما يكشف الأساليب الفاسدة التي تستخدمها البنوك وشركات توظيف الأموال في التلاعب بثروات العالم النامي.
وكانت شرطة حي المال البريطاني في لندن، أجرت خلال العام 2014، تحقيقاتٍ جنائية مع شركة "ترادشون فاينانشيال سيرفيس" للوساطة السويسرية بشأن دورها في إدارة أموال المؤسسة الليبية للاستثمار التي تدير توظيفات الثروة السيادية الليبية. كما أجرت وزارة العدل الأميركية كذلك تحقيقات مماثلة مع الصناديق الاستثمارية التي كان تستثمر جزءا من الثروة الليبية.
وتناولت التحقيقات التي جرت في كل من لندن وواشنطن الخطط التي اتبعتها صناديق الاستثماروالشركات والبنوك التي وظفت الأموال لكسب صفقات استثمارية من المؤسسة الليبية للاستثمار. ولكن وجود سلطتين في ليبيا يواصل عرقلة معرفة نتائج هذه التحقيقات.
ضياع النفط
كما أضاع التناحر في ليبيا مداخيل النفط، يقترب هذا التناحر من إضاعة أموال صندوق الثروة السيادي الليبي في الخارج التي تقدر بحوالى 66 مليار دولار.
وحسب مصادر بريطانية، أصبحت مطالبات ليبيا باسترداد أموال يعتقد أنها نهبت بواسطة بنوك دولية أثناء فترة حكم العقيد القذافي وما بعده في مهب الريح، بسبب الصراع بين حكومة عبدالله الثني في طبرق والحكومة التي شكلت في طرابلس.
ومنذ العام الماضي، ترافع الحكومة الانتقالية عبر المؤسسة الليبية في قضيتين ضد بنك "غولدمان ساكس" و"سوسيته جنرال" لاسترجاع أموال للشعب الليبي، يعتقد أنها أخذت بدون وجه حق ضمن صفقات استثمارية فاسدة في أيام حكم القذافي.
وتطالب المؤسسة الليبية للاستثمار مصرف "غولدمان ساكس"، بإرجاع 1.2 مليار دولار، فيما تطالب مصرف "سوسيته جنرال" باسترجاع 2.1 مليار دولار. ولكن شركة المحاماة البريطانية "إينوي" التي كانت ترافع لصالح ليبيا رفعت يدها عن القضية منذ نهاية أبريل/ نيسان الماضي، وذلك وفقاً لوثائق محكمة لندن.
وعقب توقف شركة المحاماة "إينوي"، قامت كل حكومة من الحكومتين المتناحرتين، في طبرق وطرابلس، بتعيين شركات محاماة وبيوت خبرة جديدة لمتابعة القضية، حيث عينت الحكومة الليبية في طرابلس شركة المحاماة "ستيفنسن هاوراد" فيما عينت الحكومة الليبية في طبرق شركة "كي ستون" اللندنية.
ولكن وثائق محكمة لندن العليا، تشير إلى أن أياً من محامي الشركتين الجديدتين لم يحضر الجلسات التي عقدت، خلال أبريل/ نيسان الماضي. وهو ما يشير إلى حالة من الفوضى التي تسود مجرى قضية استرداد أموال الشعب الليبي.
اقرأ أيضاً:
حكومتا ليبيا تتنافسان على جذب المشترين لبيع النفط
تحالف الساسة والتجار يبدد ثروات العرب