دعوة حب

12 اغسطس 2018
+ الخط -
كثيرون يكتبون عن الحب، قليلون يعيشونه، كأن يذهب عاشقان إلى أضواء باريس، والعتمة قد أطفأت ابتسامتهما، فيمشيان بين زحمة الفرح في شوارعها والحزن يزاحم الدماء في عروقهما، برغم كل ذلك يُجبران ملامحهما على الابتسام من أجل الصور التذكارية، لا أدري أي ذكرى خالية من دسم الفرح تلك التي يريدان تخليدها! وكأنهما مجبران على التقاط تلك الصور أو لعلها تشبه تقريرًا مطلوبًا لجهة أمنية معينة!

عشرات الصور تُلقى على أبواب التواصل الاجتماعي حتى تتقيَّأ نوافذها زيف أفراحهما، ويصبح حديث الجارات والأقرباء تكلفة نزهتهما والحب المزهر على عتبات قلبيهما الذي دفع العاشق الولهان لأخذ أميرة قلبه إلى أجمل البلدان، دون أن تدري إحداهن عن كواليس تلك الصورة الرائعة التي التقطاها أمام برج إيفل أو تلمح حقيبة حزنهما المخبّأة خلفه!

وبعد انتهاء تلك المهمة التصويرية يتقاسمان حمولة تلك الحقيبة ويذهبان لتناول وجبة بائتة خفيفة كحبهما مملحة بصمتٍ تام دون أن يقاطع شرودهما سوى شجار يوقفه صوت نادل المطعم.


ينتهي ذلك اليوم ببروده، ويذهبان للنوم في فندق نجومه منطفئة كلمعة الحب في عينيهما، ينام كل منهما على جهةٍ من هذا العالم يتابع آراء الأهل والأصدقاء عن تلك الرحلة وفي قلبيهما ألف غصَّة، يتواصلان مع من تفصلهم عنهما قارات ويعجزان عن التواصل مع بعضهما ولو بلغة العيون، ثم ينامان على أمل ألا يتشاجرا أيضًا في اليوم التالي!

بعد تأمُّلنا تلك اللوحة الثنائية نتساءل لماذا أصبحنا نُكلّف أنفسنا هذا العناء كله؟! لماذا أصبحنا ممثلين على مسرح الحياة وأتقنّا الدور حتى على أنفسنا بتنا نؤديه بكل براعة؟

فالحب إن لم تفضحه العيون لن تشيَ به آلاف الصور، والابتسامة التي لا تعزف سيمفونية الفرح وترددها جوقة العصافير والطيور لن توثقها عدسةٌ جامدةٌ ولن تُخلدها أكثر من لحظات.

لكن إذا نظرنا باتجاه آخر، نرى عاشقَين يجلسان على مقعدٍ خشبي حفر عليه اسمه واسمها يتناولان كوبًا من القهوةِ لكليهما تحت ظلال شجرة اللوز، لا كاميرات تحاصرهما أو تحدد وجهة نظرهما وكأنهما يخبران العالم أن الكون كله ملكٌ لهما، ونهر السعادة يجري من أمامهما دون أن يراه أحد غيرهما، وعيناهما تقول آلاف القصائد الموزونة بنبضين.

يستعيدان ذكرياتهما، يوم لقائهما الأول، لحظة شرائهما خاتم الخطوبة، شهر العسل الذي أصبح نبعًا من العسل الصافي يتدفق في جدول أيامهما، ينتظران غريبًا يمر بهما ليلتقط لهما صورةً يضمّانها إلى ألبوم صورهما الذي يزورانه في صفاء المساء.

تنتهي تلك النزهة البسيطة، يعودان وأيديهما متشابكة كقلبيهما إلى منزلهما الصغير، هناك يوجد سرير واسع لكنه لا يتّسع لاثنين، يكبر حبهما مع كل نبضة قلب، فتغفو بين ذراعيه كوردةٍ في كف عاشق فيقول لهما الليل لم يبقَ غيركما في الوجود.

من خلال هذه المقارنة البسيطة بين المشهدين الواقعيين، لا نستطيع أن نكفر بالحب، أو نجرؤ على طرده من رحمة قلوبنا التي هي بأمسّ الحاجة إليه لتُكمل الدرب، ولن نتوقف عن الكتابة عنه، لكن علينا أن نعيشه قبل أن نصوره أو نكتب عنه، نحن فقط نستطيع أن نفعل ذلك، فالحب ليس أسيرًا بين صفحات الكتب، بل سنكتبه لنخرج أبطال الروايات من أسِرَّة الكلمات إلى بيوتنا، إلى صمت شوارعنا التي غاب نصف أهلها وهجرها الفرح منذ أن هاجر سكانها وامتلأت بغرباء لا ذكريات لهم على أرصفتها حتى الأعراس لم تعد تقام لأحياء بل لشهداء لم تحضر حتى جثثهم إلى أعراسهم ونابت عنهم ورقة هدمت جدار روح من ما زالوا على الأبواب ينتظرون.

سنخرجهم من خيال الأقلام إلى واقع الأيام ليكونوا سندًا لنا وآباء لأطفالنا وأعمدةً لبلادنا.. سنحييه ليحيا معه الأمل بالصدق، بالوعد، بالوفاء سنحييه لأجلنا ولأجل وطننا فهو مثلنا يحتاج إلى الكثير من الصدق والوفاء والكثير الكثير من الحب.
دلالات
avata
رفاه عثمان العياش
أكتب المقالات في عدة مواقع ولدي مجموعة خواطر باسم "بوح الياسمين" فيها عن ياسمينة اقتلعت من أرضها ورفضت أن تموت وتذبل فسقت روحها بحروف من حبر قلبها، ورواية "أنثى على قيد الحلم" كانت رسالة لكل أنثى علقت عمرها على حبال!

مدونات أخرى