دعوات لعملة خليجية موحدة والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط

31 مايو 2016
دعوات إلى التحرر من التبعية للنفط (Getty)
+ الخط -

تباينت الآراء في جلسات نقاش حول تداعيات هبوط أسعار النفط على اقتصاديات المنطقة العربية وفرص النمو، ضمن فعاليات المؤتمر الحادي عشر لإثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط في العاصمة القطرية الدوحة.

وتوزعت آراء المتدخلين في هذه الجلسات بين ضرورة القيام بإصلاحات والحذر من الآثار السلبية للإصلاحات وآثارها على المواطنين.

ودعا مشاركون في جلسة بعنوان: "حكومات الدول المنتجة للنفط" إلى ضرورة تبني إجراءات إصلاحية أكثر حكمة لمواجهة التقلبات في أسعار النفط، مع الأخذ في الاعتبار الانعكاسات السلبية لهذه الإصلاحات على العقد الاجتماعي بين الدول وشعوبها.

وتوقع مشاركون أن تستمر أزمة تقلب أسعار النفط فترة زمنية طويلة، وهو ما يتطلب التفكير في اتخاذ تدابير جديدة وغير تقليدية، مؤكدين أن التحول الهيكلي في سوق الطاقة، الذي يعتمد على التكنولوجيا واستخدام بدائل جديدة للطاقة، فضلا عن التوجه نحو زيادة إنتاج النفط الصخري، سيؤدي إلى تقليص الاعتماد على النفط والغاز كمصادر أساسية للطاقة، وبالتالي استمرار تقلب الأسعار عند مستويات منخفضة.

وشدد متدخلون كذلك على ضرورة استعداد الدول المنتجة للنفط لمرحلة ما بعد النفط، والمضي قدما نحو حتمية التنوع في الاقتصاد لحماية اقتصاداتها، من خلال مشاركة فاعلة للقطاع الخاص، والتوجه نحو دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لخلق فرص تنافسية بديلة.

وطالب الرئيس التنفيذي للمجلس النقدي الخليجي، الدكتور رجاء المرزوقي، بضرورة اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على سياسة مالية موحدة وعملة خليجية موحدة في إطار تحقيق تكامل اقتصادي شامل يشجع القطاع الخاص على المشاركة الفعالة في التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط والغاز.

وقال المرزوقي إن أكبر التحديات التي تواجهها دول التعاون الخليجي هو الانتقال من نموذج اقتصادي تقود فيه الدولة النمو إلى اقتصاد يلعب فيه القطاع الخاص الدور الرئيسي، مضيفا أن "دول التعاون الخليجي كان هدفها التنويع منذ سبعينيات القرن الماضي دون أن تتوصل فعليا إلى هذا الهدف".

وأوضح الرئيس التنفيذي للمجلس النقدي الخليجي أن التحول نحو اقتصاد يقوم على المبادرة الخاصة، يتطلب وضع جملة من الآليات والسياسات لتشجيع القطاع الخاص وضبط خطط متوسطة المدى، بالإضافة إلى تحقيق تقدم في مسيرة الاندماج بين دول التعاون وما يترتب عنه من بناء للمؤسسات الخليجية.

وفي تعقيبه على الإشكاليات التي يواجهها نموذج التنمية الذي تعتمده دول الخليج والقائم على موازنات توسعية عند ارتفاع أسعار النفط، والتقشفية عندما تتهاوى، قال المرزوقي إن هذه الوضعية تجعلها تبحث باستمرار على التوازن وهو ما يتسبب في غياب الرؤية وعدم اعتماد سياسات نقدية ومالية تساهم في تقوية نسيج القطاع الخاص.

وأشار إلى أن قطاعات البناء والتشييد والخدمات ترتبط عادة بالسياسات التوسعية التي تتبناها دول مجلس التعاون الخليجي في حال ارتفعت أسعار النفط، والتي تساهم بدورها في دفع باقي القطاعات الاقتصادية، خاصة تلك غير النفطية، موضحا أن "هذه الوضعية غير صحية إطلاقاً".

وبخصوص تداعيات هبوط أسعار النفط على اقتصاديات المنطقة وفرص النمو من منظور الدول الآسيوية، أكد ممثل جامعة إهو للمرأة، الدكتور بيونغ إل شوي، أهمية اتخاذ قرار الإصلاح الاقتصادي حتى وإن كان في مرحلة متأخرة، ثم تساءل: "إذا لم تتخذ الإصلاحات اليوم، فمتى تتخذ"؟

وطالب بيونغ إل شوي بالحذر من "اتباع نفس الإجراءات التي تتبعها أو اتبعتها بعض المجتمعات الغربية في إدخال إصلاحات على اقتصاداتها، خاصة أن هذه الإصلاحات قد تم تطبيقها واستخدمت عدة مرات في الماضي، ولم تحقق نجاحاً، ولذلك لا بد أن يكون الإصلاح معتمداً على مجموعة من القرارات والتدابير".

وأضاف أن "التنوع في الاقتصاد كان محط جدل ونقاش كبير في منطقة الشرق الأوسط، وقد مرت كثير من الدول بهذه العملية من انتقال الاقتصاد المعتمد على الدولة إلى الاقتصاد المتنوع والمعتمد على القطاع الخاص، ولاسيما الدول المصدرة للنفط، والتي اتخذت تدابير مهمة قبل أن تعصف بهم أزمة النفط".



وعن مرحلة ما بعد النفط، قال بيونغ إل شوي إن "العالم سيشهد انكماشا اقتصايا على المستوى الدولي، ولذلك لا بد من البحث في التداعيات المتوسطة والبعيدة المدى لهبوط أسعار النفط"، موضحا أن الصين، على سبيل المثال، بدأت بتبني معايير جديدة في اقتصادها، وأصبحت أقل اعتمادا على الموارد التقليدية بالاستناد إلى التنافسية العالية في الأسواق العالمية.

وتابع: "لا أتوقع الاستقلال الكامل عن النفط، لكن في الوقت نفسه على الدول المنتجة للنفط تقليل الاعتماد عليه، وتفعيل دور القطاع الخاص"، مؤكدا أن "تغيير نموذج النمو التقليدي للاقتصاديات سيواجه تحديات كثيرة يجب ألا تقف حائلا دون تطبيق السياسات الإصلاحية".

وتطرق بيونغ إل شوي إلى تقرير للبنك الدولي حول أهمية تنويع الصادرات للدول، معارضاً في هذا السياق ما خلص إليه التقرير بضرورة إحداث تغييرات منهجية في الاقتصاد في مرحلة مبكرة، وقال إن هناك بعض الدول التي استطاعت تحقيق نجاحات في اقتصاداتها وقامت بتطوير قطاعاتها غير النفطة مثل اندونيسيا وماليزيا

والنرويج والمكسيك، لافتاً إلى أن هذه الدول اغتنمت أوقات الرخاء لاتخاذ تدابير وإجراءات لتنويع اقتصاداتها.

وقال ممثل شركة تانسيا لتكنولوجيا النفط والغاز، الدكتور عامر رواس، إن معظم التدابير الإصلاحية رغم أنها تبدو قصيرة المدى في ظل ما تشهده أسعار النفط الحالية، لكن سيكون لها تأثيرعلى المدى الطويل، لافتا إلى أن انخفاض أسعار النفط أدى إلى اتخاذ قرارات كانت مؤجلة منذ وقت طويل ولديها تأثيرات إيجابية على صحة الاقتصادات الإقليمية، ومن بينها تقليص الوظائف الذي طاول في معظمه المقيمين بالمنطقة، كما تمت مراجعة الامتيازات التي كان يحصل عليها الموظفون من المواطنين والمقيمين.

وأشار إلى أن الحكومات أخذت وقتا أطول من اللازم للتكيف مع الإجرءات الطويلة المدى مثل تنويع الاقتصادات، وهذا الأمر قد يكون له تأثير سلبي على جاذبية الاقتصادات للاستثمارات الأجنبية المباشرة، مضيفا أن تنويع الاقتصاد بحاجة إلى تمويل كبير، وهذه معضلة أخرى في ظل ضعف السيولة مع انخفاض أسعار النفط.

ورأى أنه لم تتم الاستفادة من فترات الرخاء الاقتصادي واستغلالها بصورة أفضل، وبالتالي باتت القرارات الحالية أكثر صعوبة، لافتا إلى أن عددا من دول المنطقة قطعت شوطا كبيرا في مجال التنويع الاقتصادي بعدم الاعتماد على النفط والغاز كمصدر للدخل.

وافتتحت أعمال المؤتمر، مساء أمس الاثنين، بحضور رئيس الوزراء ووزير الداخلية القطري، الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني.

ويناقش المؤتمر الذي يشارك فيه خبراء وأكاديميون وصناع قرار قضايا وملفات عدة أهمها تداعيات هبوط أسعار النفط على اقتصادات المنطقة وفرص النمو، والأمن في المنطقة، وتأثير التحالفات الجيوسياسية المتغيرة على الاستقرار السياسي في المنطقة، إضافة إلى وجود أوروبا والولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط اليوم، والضغوط الاقتصادية المتزايدة من جراء أزمة اللاجئين والسباق الرئاسي وحال السياسية في الولايات المتحدة الأميركية وتأثير داعش في سورية والعراق على الاقتصاد العالمي، وتنظيم داعش، والنفط وآسيا الوسطى وطريق الحرير، وغيرها من القضايا المهمة.

المساهمون