دعم المصريين تحت مقصلة السطو والفساد

11 يناير 2016
"عيش" المصريين تحت رحمة العصابات (ماركا/ GETTY)
+ الخط -
"منذ شهر أغسطس/آب الماضي أعجز عن صرف حصتي من السلع الغذائية المُدعمة، فالبطاقة الإلكترونية المُعتمدة للصرف تائهة في المكاتب الحكومية"، بهذه الجُملة المقتضبة تفتح أماني رجب ربة المنزل ذات الـ 54 عاماً ملف سرقات الدعم التي تشغل بال كل بيت مصري، والتي تقوم بها شبكات من داخل الوزارات المعنية وخارجها.

تقول السيدة إن بطاقتها القديمة خُدِشَت ما استلزم تغييرها "لذلك نصحني مسؤول بقالة التموين في منطقة المريوطية بتقديم بطاقات هوية الأسرة وسداد 30 جُنيهاً ليتولى هو بنفسه استخراج بطاقة جديدة. ولكن بعد مرور شهرين من مماطلة مسؤول البقالة، أخبرني بأن بطاقاتي تعرضت للسرقة في حادثة سطو على المكتب الرئيسي في مدينة شبرامنت. وعندما ذهبت إلى هناك اكتشفت كذب حديثه، وأن شخصا آخر في صعيد مصر تسلم بطاقتي واستخدمها لصالحه بالفعل. ومن ثم شرعت من جديد في استصدار بطاقة أخرى تُكلفني إجراءاتها قرابة 60 جُنيهاً".
الغريب في الأمر أن هذه السيدة اضطرت بسبب الفساد الحكومي والمماطلة الإدارية إلى سداد 90 جُنيهاً، مع أن قيمة الدعم التي تتحصل عليها أسرتها المكونة من 5 أفراد لا تتجاوز 75 جُنيهاً، أي أن نصيب الفرد 15 جُنيها شهرياً، ما يعادل 1.9 دولار.
هذه القصة كانت مُفتاحاً للعديد من شكاوى سرقات الدعم، فيقول أحمد الرملي إنه كان مُقيداً ببطاقة والده الذي وافته المنية قبل عدة سنوات، وألغى مكتب تموين شبرا الخيمة بمُحافظة الدقهلية هذه البطاقة حيث كانت ورقية وفقاً للنظام القديم.
وبحسب الرملي فإنه استخرج بطاقة ورقية جديدة تضم أسرته، "ولكن بعد فترة أخطرني مكتب التموين بتقديم الأوراق المطلوبة لاستخراج بطاقة ذكية، وبالفعل أنجزت هذه الأوراق أكثر من مرة على مدار سنتين دون الحصول على البطاقة، ويطالبني المكتب في كل مرة بتقديم الأوراق مُجدداً". ويضيف: "حررت محضراً بقسم الشرطة بفقدان البطاقة مُرفق معه الأوراق المطلوبة لاستخراج بدل فاقد. ورغم أن مكتب التموين أكد لي عدم استلام البطاقة إلا أنه في المقابل أكد مسؤولو قطاع الرقابة بوزارة التموين إصدار البطاقة".

ووسط مئات الحالات المشابهة من السرقات، يقول الخبير الاقتصادي محمد مجدي، إن الحكومة استهدفت من منظومة الدعم الإلكترونية تقليل قيمة الدعم الممنوح للمواطنين، والسيطرة على السرقات وتحديداً بالمخابز. ولكن في المقابل نجحت شبكة سماسرة السلع المدعومة في الاحتيال على الأنظمة الإلكترونية.
ويعتمد نظام تشغيل البطاقات الذكية التي أطلقتها الحكومة المصرية قبل عامين، على حصول المواطن على بطاقة، على أن تحصل المخابز على ماكينة مُتصلة بنظام عام بوزارة التموين من خلال شريحة إلكترونية، لتحديد نصيب كل مخبز من حصص الدقيق بناءً على كميات الخبز المسحوبة بالبطاقة والمُسجلة بالماكينة الآلية.
ويوضح مجدي أن شوال الدقيق الواحد يخبز 1250 رغيفاً، ويحصل صاحب المخبز على شوال زنة 100 كيلوغرام مقابل 260 جنيهاً، على أن تُسدد الحكومة دعما ماليا عن كل رغيف بقيمة 24.5 قرشاً، وفي المقابل يتحمل المواطن 5 قروش ثمن رغيف العيش.
ويضيف مجدي أن سماسرة المخابز تحايلوا على هذه المنظومة الإلكترونية عبر سرقة كودات البطاقات التي تشبه بطاقات الائتمان المصرفية، واستخدموها في إصدار بطاقات مماثلة، تُسجل سحب أرغفة الخبز من المخابز، ومن ثم تحصل على شوالات دقيق تقوم ببيعها في السوق السوداء، فضلاً عن الحصول على الدعم الحكومي.
بل إن المنظومة الجديدة أظهرت نوعاً جديداً من السرقات، يتمثل في ادعاء أصحاب بقالات التموين بفقدان عدد من البطاقات الذكية المسجلة لديهم، حيث إن هذه البقالات هي الوسيط بين المواطن ووزارة التموين. وبناءً عليه يحرر أصحاب البقالات محاضر في أقسام الشرطة بفقدان البطاقات بهدف استخراج بدل فاقد.
وبذا، "تتحول مزايا البطاقة إلى أبواب لسرقة المواطنين، فالبطاقة الذكية تتيح لصاحبه حق استبدال بعض السلع الغذائية مثل الزيت والأرز بسلع أخرى من أي سوبر ماركت بحوزته ماكينة الصرف. ولكن تشترط بعض المحال أن تحصل على حصة من مستحقات المواطن مقابل الموافقة على صرف السلع الغذائية المتوافرة لديها".
دلالات
المساهمون