05 يونيو 2017
دعاية داعش
عوامل عديدة تجذب المقاتلين للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، منها الاستنفار على أساس الهوية في منطقتنا، والتدخلات الغربية، والحروب الأهلية، لكن واحداً من أهم العوامل التي تجذب الشباب من المنطقة العربية، والغرب أيضاً، هو استخدام عناصر التنظيم للتكنولوجيا الحديثة، في بث دعايتهم، وترويج دولتهم في العراق وسورية، وهو الأمر الذي يُسهِّل نشر سردية التنظيم للصراع في المنطقة والعالم، ورؤيته نفسه والآخرين، ضمن قالبٍ يغري الشباب المتحمسين من المسلمين في أوروبا، قبل أقرانهم في الوطن العربي، ويدفعهم إلى ترك بلدانهم وعائلاتهم، والسفر إلى الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم في العراق وسورية، للمساهمة في تثبيت أركان الخلافة الإسلامية هناك.
تمثل الخلافة نوعاً من اليوتوبيا السياسية في القرن الحادي والعشرين، وهي خلاصة أفكار وآمال عدد كبير من حركات الإسلام السياسي التي ظهرت تباعاً بعد سقوط الخلافة العثمانية في القرن المنصرم، يقوم تنظيم داعش بتحويلها إلى واقع عملي على الأرض، والعمل على إحياء سياسة الفتوحات والتوسع، مع مزج هذه المفاهيم ما قبل الحديثة، بوجود جهاز بيروقراطي واستخدام أدوات الحداثة، بما فيها شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وأفضل التقنيات في عالم التصوير والمونتاج، لإنتاج مقاطع مبهرة بصرياً، تقدم صورة مثالية للخلافة، بما يدفع الشباب المسلم المتحمس إلى الانضمام للدولة الإسلامية التي تجمع بين مجاراة العصر والاتساق مع التوحيد الخالص وتعاليم الشريعة، ويتوحد فيها المجتمع المسلم (بعد تطهيره من كل المجموعات التي تعيق تجانسه) في إطار دولةٍ تسترد كرامة المسلمين المهدورة، وتنتقم من عصور الإذلال والمهانة التي عاشوها على يد الغرب.
من يدقّق في الدعاية الإعلامية التي ينشرها التنظيم، يجد أنها متأثرة كثيراً بأساليب دعائية استخدمها الأميركيون، لناحية استعراض القوة، وبث الرعب في صفوف الأعداء، فتصوير التنظيم نفسه يركّز على كونه يتمتع بقدراتٍ عسكريةٍ هائلة، وهو يضفي على تقدمه في العراق والشام طابعاً أسطورياً، يوحي عبره بأنه تنظيمٌ لا يمكن قهره، وأن قدره هو الانتصار، وهو يركّز على تثبيت هذه الدعاية على الدوام، وحتى حين يخسر مناطق في العراق أو سورية، فإنه يحاول تعويض خسارته سريعاً، بالهجوم على مدينةٍ ما أو قرية والسيطرة عليها، للحفاظ على صورة التنظيم المنتصر، وعدم السماح لأعدائه بضرب أسطورة الانتصار التي يروجها عن نفسه، ويعتمد عليها كثيراً في تعزيز ثقة عناصره وجمهوره به، واجتذاب مزيد من المقاتلين.
كانت صورة التنظيم المنتصر، القادر على بناء دولته في قلب الهلال الخصيب، صانعاً للفارق بينه وبين تنظيم القاعدة، وبقية الحركات الجهادية في سورية، حيث بدا هذا التنظيم بالذات الأقدر على الإنجاز، وهو ما جعل مقاتلين أجانب كثيرين، قادمين من أوروبا، يفضلون تنظيم داعش على غيره من التنظيمات في سورية.
لكن أسطورة الانتصار، والقدرة على الإنجاز، المستندة إلى قوة مقاتلي التنظيم وشدة بأسهم، ليسا وحدهما ما يصنع صورة التنظيم الإعلامية، فالتنظيم يركّز من خلال مقاطعه المصوّرة، على بث الرعب في صفوف أعدائه، بممارسة أساليب متنوعة في توحشها في التنكيل بخصومه، مستنسخاً فكرة "الصدمة والرعب" الأميركية التي تم استخدامها في غزو العراق عام 2003، وهو ينجح عبر ما يبثه من مقاطع مصورة، في إخافة أعدائه، والمكونات الاجتماعية التي يستهدفها، من خلال "ابتكاراته" في طرق التعذيب والقتل، وقد استثمر عناصره التقنية الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي، في نشر هذه المقاطع والصور، وكلما حذفت هذه المواقع مقاطعهم، أعادوا تحميلها من جديد على روابط مختلفة.
لعل تنظيم داعش هو الأفضل جهادياً، من ناحية استثماره مواقع التواصل الاجتماعي، وبالذات موقع "تويتر"، فلعناصره وأنصاره حسابات في هذا الموقع، وهم يغرّدون بشكل مستمر، ويتواصلون مع الشباب، ويغرونهم بالانضمام، ويقومون بعمل احترافي في نشر دعايتهم، ويستخدمون "الهاشتاغات" النشطة، والأكثر شيوعاً، ويغرقونها بالتغريدات، فمثلاً يستخدمون الهاشتاغات الخاصة بدوري كرة القدم الإنجليزي، لإيصال تغريداتهم إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين، ودعوتهم للانضمام إلى "الدولة الإسلامية"، أو نشر مقاطع مصورة، تظهر قوة التنظيم، ونجاحه في إدارة مناطقه.
كذلك، تستثمر هذه الحسابات الخاصة بالتنظيم المعاناة الإنسانية للناس في العراق وسورية، في سبيل التحريض على الشيعة، أو على الغرب، وتعبئة الناس بالكراهية، لاستقطاب مزيد من المقاتلين الذين يشعرون "بمظلومية سنية"، ويرون أن العالم كله ضدهم، وأن الواجب عليهم هو الذهاب إلى مناطق الصراع، لنصرة إخوانهم المظلومين، وهو ما يذكّرنا بأن السردية الطائفية للصراع، واستثارة عواطف الناس مذهبياً، كما يفعل بعض الموتورين، يسهم في رفد دعاية هذا التنظيم وإخوته بمشروعية مهمة.
يُجيد تنظيم داعش تقديم دعاية إعلامية ترتكز إلى صناعة أسطورةٍ عن نفسه، بوصفه تنظيماً استثنائياً في قوته، وإرعاب خصومه بممارساته الوحشية، واستثمار التوترات الطائفية في التجنيد وجمع التبرعات، باستخدام التقنيات الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يحتم مراجعة سياسة المواجهة الإعلامية مع هذا التنظيم، والعمل على تجنب كل سلوكٍ، يستفيد منه التنظيم في التحشيد والتعبئة لأهدافه.
تمثل الخلافة نوعاً من اليوتوبيا السياسية في القرن الحادي والعشرين، وهي خلاصة أفكار وآمال عدد كبير من حركات الإسلام السياسي التي ظهرت تباعاً بعد سقوط الخلافة العثمانية في القرن المنصرم، يقوم تنظيم داعش بتحويلها إلى واقع عملي على الأرض، والعمل على إحياء سياسة الفتوحات والتوسع، مع مزج هذه المفاهيم ما قبل الحديثة، بوجود جهاز بيروقراطي واستخدام أدوات الحداثة، بما فيها شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وأفضل التقنيات في عالم التصوير والمونتاج، لإنتاج مقاطع مبهرة بصرياً، تقدم صورة مثالية للخلافة، بما يدفع الشباب المسلم المتحمس إلى الانضمام للدولة الإسلامية التي تجمع بين مجاراة العصر والاتساق مع التوحيد الخالص وتعاليم الشريعة، ويتوحد فيها المجتمع المسلم (بعد تطهيره من كل المجموعات التي تعيق تجانسه) في إطار دولةٍ تسترد كرامة المسلمين المهدورة، وتنتقم من عصور الإذلال والمهانة التي عاشوها على يد الغرب.
من يدقّق في الدعاية الإعلامية التي ينشرها التنظيم، يجد أنها متأثرة كثيراً بأساليب دعائية استخدمها الأميركيون، لناحية استعراض القوة، وبث الرعب في صفوف الأعداء، فتصوير التنظيم نفسه يركّز على كونه يتمتع بقدراتٍ عسكريةٍ هائلة، وهو يضفي على تقدمه في العراق والشام طابعاً أسطورياً، يوحي عبره بأنه تنظيمٌ لا يمكن قهره، وأن قدره هو الانتصار، وهو يركّز على تثبيت هذه الدعاية على الدوام، وحتى حين يخسر مناطق في العراق أو سورية، فإنه يحاول تعويض خسارته سريعاً، بالهجوم على مدينةٍ ما أو قرية والسيطرة عليها، للحفاظ على صورة التنظيم المنتصر، وعدم السماح لأعدائه بضرب أسطورة الانتصار التي يروجها عن نفسه، ويعتمد عليها كثيراً في تعزيز ثقة عناصره وجمهوره به، واجتذاب مزيد من المقاتلين.
كانت صورة التنظيم المنتصر، القادر على بناء دولته في قلب الهلال الخصيب، صانعاً للفارق بينه وبين تنظيم القاعدة، وبقية الحركات الجهادية في سورية، حيث بدا هذا التنظيم بالذات الأقدر على الإنجاز، وهو ما جعل مقاتلين أجانب كثيرين، قادمين من أوروبا، يفضلون تنظيم داعش على غيره من التنظيمات في سورية.
لكن أسطورة الانتصار، والقدرة على الإنجاز، المستندة إلى قوة مقاتلي التنظيم وشدة بأسهم، ليسا وحدهما ما يصنع صورة التنظيم الإعلامية، فالتنظيم يركّز من خلال مقاطعه المصوّرة، على بث الرعب في صفوف أعدائه، بممارسة أساليب متنوعة في توحشها في التنكيل بخصومه، مستنسخاً فكرة "الصدمة والرعب" الأميركية التي تم استخدامها في غزو العراق عام 2003، وهو ينجح عبر ما يبثه من مقاطع مصورة، في إخافة أعدائه، والمكونات الاجتماعية التي يستهدفها، من خلال "ابتكاراته" في طرق التعذيب والقتل، وقد استثمر عناصره التقنية الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي، في نشر هذه المقاطع والصور، وكلما حذفت هذه المواقع مقاطعهم، أعادوا تحميلها من جديد على روابط مختلفة.
لعل تنظيم داعش هو الأفضل جهادياً، من ناحية استثماره مواقع التواصل الاجتماعي، وبالذات موقع "تويتر"، فلعناصره وأنصاره حسابات في هذا الموقع، وهم يغرّدون بشكل مستمر، ويتواصلون مع الشباب، ويغرونهم بالانضمام، ويقومون بعمل احترافي في نشر دعايتهم، ويستخدمون "الهاشتاغات" النشطة، والأكثر شيوعاً، ويغرقونها بالتغريدات، فمثلاً يستخدمون الهاشتاغات الخاصة بدوري كرة القدم الإنجليزي، لإيصال تغريداتهم إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين، ودعوتهم للانضمام إلى "الدولة الإسلامية"، أو نشر مقاطع مصورة، تظهر قوة التنظيم، ونجاحه في إدارة مناطقه.
كذلك، تستثمر هذه الحسابات الخاصة بالتنظيم المعاناة الإنسانية للناس في العراق وسورية، في سبيل التحريض على الشيعة، أو على الغرب، وتعبئة الناس بالكراهية، لاستقطاب مزيد من المقاتلين الذين يشعرون "بمظلومية سنية"، ويرون أن العالم كله ضدهم، وأن الواجب عليهم هو الذهاب إلى مناطق الصراع، لنصرة إخوانهم المظلومين، وهو ما يذكّرنا بأن السردية الطائفية للصراع، واستثارة عواطف الناس مذهبياً، كما يفعل بعض الموتورين، يسهم في رفد دعاية هذا التنظيم وإخوته بمشروعية مهمة.
يُجيد تنظيم داعش تقديم دعاية إعلامية ترتكز إلى صناعة أسطورةٍ عن نفسه، بوصفه تنظيماً استثنائياً في قوته، وإرعاب خصومه بممارساته الوحشية، واستثمار التوترات الطائفية في التجنيد وجمع التبرعات، باستخدام التقنيات الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يحتم مراجعة سياسة المواجهة الإعلامية مع هذا التنظيم، والعمل على تجنب كل سلوكٍ، يستفيد منه التنظيم في التحشيد والتعبئة لأهدافه.