19 أكتوبر 2024
دروس روسية للنظام السوري
أوضحت الضربة الثلاثية على مواقع للنظام في سورية، وبعدها الضربات الإسرائيلية المتتالية، أن لحضور روسيا في سورية حدوداً واضحة؛ أي عليها ضمان مصالح إسرائيل، والتوافق مع الأميركان وحلفائهم من أجل تحجيم إيران، والسير نحو تسوية سياسية، ومن ثم إعادة الإعمار، وحينها سيُسمح لروسيا بفرض احتلالها على أوسع مناطق في سورية.
ترسم روسيا التي قايضت تركيا عبر السيطرة على الغوطة الشرقية في مقابل احتلال تركيا عفرين، أماكن نفوذها، بما يحفظ المصالح الأميركية والإسرائيلية، ويعطي لتركيا حصّتها، وهي حصة لا ترفضها الولايات المتحدة. تظل المشكلة التي لم تُحسم بشكل كامل حدود الوجود الإيراني في سورية. لا تريد أميركا وإسرائيل أي حضور فاعل. وهنا لا يمكن لأي عاقل أن يتكلم عن مؤامرةٍ تُحيكها كل من الاثنتين وإيران لبقاء الأخيرة في سورية، وأن توزّع كل منها حصصاً معنية. لا، استفادت إيران من سياساتٍ أميركية سابقة، وتمدّدت في الدول العربية على حساب احتلال أفغانستان والعراق! ومشكلتها أنّها تجاوزت الحدود الممكنة لقدراتها، وللمسموح به أميركياً، وبالتالي لا بد من إعادتها إلى حجمها الطبيعي. خروج أميركا من الاتفاق النووي، والضربات الإسرائيلية المستمرة، وتركها تتورّط في اليمن، وتهميشها في العراق، كلها عناصر تقول بضرورة أن تتحجّم في سورية، وقبالة ذلك تتعزّز المصالح الروسية الإسرائيلية الأميركية في سورية.
استدعى بوتين الرئيس السوري إلى سوتشي، وأيضاً من دون مرافقة وزارية له. يريد الروس إيصال رسالتهم له، وهي أن روسيا هي من يتحكم في مستقبل سورية، والعلاقة مع إسرائيل وأميركا هي من تديرها، وبالتالي لم تعد الخيارات متاحةً أمامه للمناورة مع إيران ضد الوجود الروسي وسواه. يريد الروس من خلال هذه الزيارة التأكيد أن الوجود الإيراني أصبح عبئاً عليه، وبالتالي وبالتخلص من الغوطة وبقايا "داعش" في بعض بلدات جنوب دمشق وفصائل الجيش الحر هناك، وليس من معركة ضد إدلب أو الرقة أو درعا. تريد روسيا إعطاء دروسٍ تُفيد بتحديدٍ دقيق لنفوذ الدول التي تتوافق معها، كما تركيا، أو تختلف معها كما الأميركان وحلفائهم، وكذلك أن لإسرائيل الحق بأية ضربات ضد المواقع الإيرانية. لا تترك روسيا للرئيس السوري خياراتٍ إذاً، وتتفق معه على ضرورة تفعيل اللجنة الدستورية، وأن الحل غير ممكن في سورية من دون إخراج القوات الأجنبية، "الإيرانية" خصوصا، والبدء بتسويةٍ سياسية بالتوافق مع أميركا والأوروبيين.
إيران قبل انسحاب ترامب من النووي غيرها بعده. توضح محاولاتها مع الأوروبيين للتقليل من شأن الانسحاب، التخوف الكبير من مفاعلاتها الاقتصادية على الطرفين. أصبحت ضغوطها على الروس في الأراضي السورية للحفاظ على مصالحها كما خَططت لها في مهب الريح. أصبح الروس أكثر قوةً بعد الانسحاب، وبالتالي تتعرّض إيران إلى ضغوط كبيرة، ودورها يكمن في فهم السياسة العالمية والحدود المسموح لها بالتحرّك فيها. تركيا التي حوصرت بين السياسات الروسية والأميركية في سورية انحازت للروس، لكنها لم تقطع صلتها بالأطلسي، ولا بأميركا ومصالحها في سورية. رفضت تركيا الانسحاب الأميركي من النووي، وهناك تقارير تُفيد بمدّ إيران بأجهزة تقنية وبضائع من إسرائيل، وتستخدم في صناعتها. ترسم تركيا بذلك علاقات جديدة مع إيران، فليس مسموحاً للأخيرة بالاعتراض على الوجود التركي في شمال سورية وشرقها، وستكون إدلب من حصتها. وقبالة ذلك لن تذهب تركيا إلى أية تحالفات مع الدول العربية أو إسرائيل أو أميركا للضغط على إيران، وربما ستظل المنافس الاقتصادي لها، للقيام بعلاقاتٍ تجارية غير "شرعية".
تُرسم السياسة الدولية وتنفذ على المدى الطويل، وانهيارات الدول العربية مسألة أساسية في أجندات تلك الدول، ويبدو أن ذلك ينطبق على إيران التي تعاني أزمة كبيرة اقتصادية وسياسية. ووفقاً لسياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فإن كل أحلام إيران بعلاقات اقتصادية طبيعية مع أوروبا للهروب من الأزمات والوجود في العراق وسورية واليمن أصبحت مهدّدةً. لدى أميركا صفقات مع السعودية خصوصا، وهناك توافقات مع إسرائيل على ضرورة تهميش إيران، وسيكون لروسيا الحصة الأكبر في سورية. وبالتالي هناك خطوات تتحقق بشكل هادئ ضد إيران، تؤكد كلها أن الخلافات الروسية الأميركية سيكون لها حد، وستكون الدولة الأكثر تضرّراً منها إيران بالتحديد. الصمت الروسي على الضربة الثلاثية، وإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل مؤشرات واضحة على أنه ليس لإيران مكان في سورية.
الدرس الروسي المركزي الآن أن روسيا هي من يُقرّر المسموح والممنوع في سورية وليس النظام. دور النظام فقط في الموافقة، وما كان مسموحاً له من قبل أصبح ممنوعاً عنه. استعادة كل المناطق من أيدي الفصائل كان بسبب التدخل الروسي. وتنسف روسيا بذلك العلاقة "التاريخية" بين النظام وإيران، وبذلك يصبح النظام ورقةً سياسيةً بيدها. أميركا وأوروبا تتحركان في سورية بشكل تحالفي، وهذا سبب رفض حضورهما إلى اجتماع أستانة أخيرا، وهي رسالة جديدة للروس، ليفهموا المطلوب منهم.
ستظل إشكالية روسيا مع أميركا تحديدا، وهي أن أميركا ترفض أية صفقاتٍ تخص القضايا الدولية معها، بينما تصرّ روسيا على ذلك؛ لكن رسم الحدود الحالي، وضمان مصالح كل من إسرائيل وأميركا في شرق سورية، وحتى في جنوبها، وربط بوتين العملية السياسية بإخراج القوات الأجنبية، أقول كلها مؤشراتٌ تفيد بأن روسيا ستبحث عن حل للوضع السوري، ولن تترك الأمر مفتوحاً سنوات طويلة، فأميركا تحتل مناطق النفط والقمح السوريين، وتركيا تسيطر على مناطق واسعة، وأغلب الفصائل أصبحت أدوات بيد الأتراك، وبالتالي من مصلحة روسيا الوصول إلى حل سياسي، واستجلاب الأموال، والإشراف على إعادة الإعمار، واستخراج الموارد الأولية السورية.
لا تُنافسُ أميركا روسيا على احتلال سورية، لكنها لن تتركها تسيطر بشكل كامل عليها من ناحية أخرى، ومصالحها ومصالح إسرائيل لا بد من تأمينها، وكذلك مصالح شركائها العرب والأوروبيين. قبالة ذلك يقع على روسيا إخراج إيران، والكف عن ربط الحل في سورية بقضايا دولية، وإيصال الدروس للنظام السوري، كي لا يجري اقتلاعه، فهل يتحقق ذلك؟
ترسم روسيا التي قايضت تركيا عبر السيطرة على الغوطة الشرقية في مقابل احتلال تركيا عفرين، أماكن نفوذها، بما يحفظ المصالح الأميركية والإسرائيلية، ويعطي لتركيا حصّتها، وهي حصة لا ترفضها الولايات المتحدة. تظل المشكلة التي لم تُحسم بشكل كامل حدود الوجود الإيراني في سورية. لا تريد أميركا وإسرائيل أي حضور فاعل. وهنا لا يمكن لأي عاقل أن يتكلم عن مؤامرةٍ تُحيكها كل من الاثنتين وإيران لبقاء الأخيرة في سورية، وأن توزّع كل منها حصصاً معنية. لا، استفادت إيران من سياساتٍ أميركية سابقة، وتمدّدت في الدول العربية على حساب احتلال أفغانستان والعراق! ومشكلتها أنّها تجاوزت الحدود الممكنة لقدراتها، وللمسموح به أميركياً، وبالتالي لا بد من إعادتها إلى حجمها الطبيعي. خروج أميركا من الاتفاق النووي، والضربات الإسرائيلية المستمرة، وتركها تتورّط في اليمن، وتهميشها في العراق، كلها عناصر تقول بضرورة أن تتحجّم في سورية، وقبالة ذلك تتعزّز المصالح الروسية الإسرائيلية الأميركية في سورية.
استدعى بوتين الرئيس السوري إلى سوتشي، وأيضاً من دون مرافقة وزارية له. يريد الروس إيصال رسالتهم له، وهي أن روسيا هي من يتحكم في مستقبل سورية، والعلاقة مع إسرائيل وأميركا هي من تديرها، وبالتالي لم تعد الخيارات متاحةً أمامه للمناورة مع إيران ضد الوجود الروسي وسواه. يريد الروس من خلال هذه الزيارة التأكيد أن الوجود الإيراني أصبح عبئاً عليه، وبالتالي وبالتخلص من الغوطة وبقايا "داعش" في بعض بلدات جنوب دمشق وفصائل الجيش الحر هناك، وليس من معركة ضد إدلب أو الرقة أو درعا. تريد روسيا إعطاء دروسٍ تُفيد بتحديدٍ دقيق لنفوذ الدول التي تتوافق معها، كما تركيا، أو تختلف معها كما الأميركان وحلفائهم، وكذلك أن لإسرائيل الحق بأية ضربات ضد المواقع الإيرانية. لا تترك روسيا للرئيس السوري خياراتٍ إذاً، وتتفق معه على ضرورة تفعيل اللجنة الدستورية، وأن الحل غير ممكن في سورية من دون إخراج القوات الأجنبية، "الإيرانية" خصوصا، والبدء بتسويةٍ سياسية بالتوافق مع أميركا والأوروبيين.
إيران قبل انسحاب ترامب من النووي غيرها بعده. توضح محاولاتها مع الأوروبيين للتقليل من شأن الانسحاب، التخوف الكبير من مفاعلاتها الاقتصادية على الطرفين. أصبحت ضغوطها على الروس في الأراضي السورية للحفاظ على مصالحها كما خَططت لها في مهب الريح. أصبح الروس أكثر قوةً بعد الانسحاب، وبالتالي تتعرّض إيران إلى ضغوط كبيرة، ودورها يكمن في فهم السياسة العالمية والحدود المسموح لها بالتحرّك فيها. تركيا التي حوصرت بين السياسات الروسية والأميركية في سورية انحازت للروس، لكنها لم تقطع صلتها بالأطلسي، ولا بأميركا ومصالحها في سورية. رفضت تركيا الانسحاب الأميركي من النووي، وهناك تقارير تُفيد بمدّ إيران بأجهزة تقنية وبضائع من إسرائيل، وتستخدم في صناعتها. ترسم تركيا بذلك علاقات جديدة مع إيران، فليس مسموحاً للأخيرة بالاعتراض على الوجود التركي في شمال سورية وشرقها، وستكون إدلب من حصتها. وقبالة ذلك لن تذهب تركيا إلى أية تحالفات مع الدول العربية أو إسرائيل أو أميركا للضغط على إيران، وربما ستظل المنافس الاقتصادي لها، للقيام بعلاقاتٍ تجارية غير "شرعية".
تُرسم السياسة الدولية وتنفذ على المدى الطويل، وانهيارات الدول العربية مسألة أساسية في أجندات تلك الدول، ويبدو أن ذلك ينطبق على إيران التي تعاني أزمة كبيرة اقتصادية وسياسية. ووفقاً لسياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فإن كل أحلام إيران بعلاقات اقتصادية طبيعية مع أوروبا للهروب من الأزمات والوجود في العراق وسورية واليمن أصبحت مهدّدةً. لدى أميركا صفقات مع السعودية خصوصا، وهناك توافقات مع إسرائيل على ضرورة تهميش إيران، وسيكون لروسيا الحصة الأكبر في سورية. وبالتالي هناك خطوات تتحقق بشكل هادئ ضد إيران، تؤكد كلها أن الخلافات الروسية الأميركية سيكون لها حد، وستكون الدولة الأكثر تضرّراً منها إيران بالتحديد. الصمت الروسي على الضربة الثلاثية، وإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل مؤشرات واضحة على أنه ليس لإيران مكان في سورية.
الدرس الروسي المركزي الآن أن روسيا هي من يُقرّر المسموح والممنوع في سورية وليس النظام. دور النظام فقط في الموافقة، وما كان مسموحاً له من قبل أصبح ممنوعاً عنه. استعادة كل المناطق من أيدي الفصائل كان بسبب التدخل الروسي. وتنسف روسيا بذلك العلاقة "التاريخية" بين النظام وإيران، وبذلك يصبح النظام ورقةً سياسيةً بيدها. أميركا وأوروبا تتحركان في سورية بشكل تحالفي، وهذا سبب رفض حضورهما إلى اجتماع أستانة أخيرا، وهي رسالة جديدة للروس، ليفهموا المطلوب منهم.
ستظل إشكالية روسيا مع أميركا تحديدا، وهي أن أميركا ترفض أية صفقاتٍ تخص القضايا الدولية معها، بينما تصرّ روسيا على ذلك؛ لكن رسم الحدود الحالي، وضمان مصالح كل من إسرائيل وأميركا في شرق سورية، وحتى في جنوبها، وربط بوتين العملية السياسية بإخراج القوات الأجنبية، أقول كلها مؤشراتٌ تفيد بأن روسيا ستبحث عن حل للوضع السوري، ولن تترك الأمر مفتوحاً سنوات طويلة، فأميركا تحتل مناطق النفط والقمح السوريين، وتركيا تسيطر على مناطق واسعة، وأغلب الفصائل أصبحت أدوات بيد الأتراك، وبالتالي من مصلحة روسيا الوصول إلى حل سياسي، واستجلاب الأموال، والإشراف على إعادة الإعمار، واستخراج الموارد الأولية السورية.
لا تُنافسُ أميركا روسيا على احتلال سورية، لكنها لن تتركها تسيطر بشكل كامل عليها من ناحية أخرى، ومصالحها ومصالح إسرائيل لا بد من تأمينها، وكذلك مصالح شركائها العرب والأوروبيين. قبالة ذلك يقع على روسيا إخراج إيران، والكف عن ربط الحل في سورية بقضايا دولية، وإيصال الدروس للنظام السوري، كي لا يجري اقتلاعه، فهل يتحقق ذلك؟