دروس أزمة الصيد: ثقة الرئاسة و"الائتلاف" بالحكومة غير دائمة

20 يوليو 2016
الصيد يرفض أن يقال من السبسي (أمين لاندولسي/الأناضول)
+ الخط -
يثير إصرار رئيس الحكومة التونسية الحالي، الحبيب الصيد، على الاحتكام للبرلمان للفصل في خلافه مع رئاسة الجمهورية، جملة من الأسئلة السياسية والدستورية الهامة، ستلقي بظلالها على الوضع السياسي الحالي، مؤسسات وأحزاباً. كما يتوقع أن تؤثر على مستقبل العلاقة بين مؤسستي الرئاسة والحكومة الجديدة وأحزاب الائتلاف.

وكان الصيد أعلن، أول من أمس الإثنين، إثر لقائه الأسبوعي الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، أنه اتفق معه على اللجوء إلى البرلمان لحسم المسألة، وعلى التسريع في العملية ولكن عبر البرلمان. كما أشار إلى أنه سيتم، خلال هذا الأسبوع، اتخاذ الإجراءات للمرور إلى المرحلة الثانية من مبادرة رئيس الجمهورية لتشكيل حكومة الوحدة. كما أكد أنه سيتم على أقصى تقدير، بداية الأسبوع المقبل، بدء الترتيبات اللازمة التي تتيح المرور للمرحلة الثانية.
ولفت الصيد إلى أن الاحتكام للبرلمان لا يعتبر تشبثاً بالمسؤولية، لأن المسؤولية ليست دائمة، والمهم هو مصلحة تونس العليا التي يفترض أن نتشبث بها، على حد قوله.



من جهتها، تؤكد مصادر حزبية وبرلمانية متقاطعة لـ"العربي الجديد" أن الصيد التقى، يوم الإثنين، رئيس مجلس نواب الشعب، محمد الناصر، في جلسة خاصة، وأنه طلب منه تحديد جلسة تجديد الثقة في حكومته، مرجحة أن يتم ذلك رسمياً قريباً جداً. وتتوقع المصادر نفسها أن يعلن الصيد استقالته أمام البرلمان، حتى قبل أن يتم التصويت على منح الثقة لحكومته، تأكيداً على "عدم تشبثه بالمسؤولية"، وإدراكاً منه أن الأغلبية لن تمنحه هذه الثقة مجدداً في كل الحالات.

وإذا تم الأمر بهذا الشكل، عبر تقدم الصيد بطلب جلسة تجديد الثقة، فإن الأخير يجنّب السبسي إحراجاً كبيراً أمام معارضيه في البرلمان، لأن النظام الداخلي للمجلس ينص على فرضيتين لسحب أو تجديد الثقة، بطلب من الرئيس أو الحكومة.
يذكر الفصل 151 أنه إذا كان طلب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها صادراً عن رئيس الجمهورية، فإن رئيس المجلس يدعو للجلسة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكامل أعضائها. ويفتتح رئيس المجلس الجلسة العامة بعرض موجز لموضوع الجلسة وبالتذكير بمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 99 من الدستور ثم يحيل الكلمة لرئيس الجمهورية لعرض طلبه مفصلاً ومعللاً، وبعد إنهاء رئيس الجمهورية كلمته يمكّن رئيس الحكومة من الكلمة إن طلبها، ثم تحال الكلمة بعد ذلك لأعضاء المجلس في حدود الوقت المخصص للنقاش العام في تلك الجلسة. وتحال الكلمة لرئيس الجمهورية مجدداً للتفاعل مع تدخلات أعضاء المجلس، وترفع بعد ذلك الجلسة ثم تستأنف في نفس اليوم للتصويت على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها.
أما الفصل 150 فينص على أنه إذا كان طلب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها صادراً عن رئيس الحكومة، فإن رئيس المجلس يدعو للجلسة رئيس الحكومة وكامل أعضائها. ووفقاً للفصل 150، يفتتح رئيس المجلس الجلسة العامة بعرض موجز لموضوع الجلسة وبالتذكير بمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 98 من الدستور ثم يحيل الكلمة لرئيس الحكومة لعرض طلبه مفصلاً ومعللاً. تحال الكلمة بعد ذلك لأعضاء المجلس في حدود الوقت المخصص للنقاش العام في تلك الجلسة. وتحال الكلمة لرئيس الحكومة مجدداً للتفاعل مع تدخلات أعضاء المجلس في حدود الوقت المخصّص. وبعد إنهاء رئيس الحكومة كلمته ترفع الجلسة ثم تستأنف في نفس اليوم للتصويت على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها. ويُشترط لنيل ثقة المجلس في مواصلة الحكومة نشاطها الحصول على موافقة الأغلبية المطلقة من الأعضاء.
وتؤكد بعض المصادر أن الصيد، بطلبه تحديد الجلسة، قد يتفادى مطلب المساءلة الذي تقدمت به بعض الكتل تلقائياً، لإحراجه ودفعه إلى الاستقالة، وأن هناك سباقاً مع الزمن بين المطلبين، قد يسبق أحدهما الآخر. فقد أصرّ نواب "نداء تونس" والاتحاد الوطني الحر ونواب آخرون على طلب مساءلة الصيد، منذ استشعروا رفضه الاستقالة.

وبغض النظر عن هذه الشكليات، المهمة، فإن مثول الصيد أمام البرلمان يبعث برسائل متعددة إلى المشهد السياسي التونسي بكل تفصيلاته، أولها أنه يعود للمؤسسة التي منحته الثقة، ويرفض أن يُقال من رئيس الجمهورية، ليقطع نهائياً مع مفهوم "الوزير الأول" في النظام الرئاسي، ويذكّر الجميع بأنه رئيس مؤسسة دستورية تستمد شرعيتها من نواب الشعب، وليس من التزكية الرئاسية. لكنه في الوقت نفسه، يلمّح للسبسي، الذي جاء به إلى الحكم بعدما كان مرشحاً لوزارة الداخلية فحسب، أنه ارتكب خطأ حين غفل عن استشارته قبل طرح مبادرة حكومة الوحدة.
لكن الرسالة الأهم التي سيوجهها الصيد أمام البرلمان، ستكون بالتأكيد لأحزاب الائتلاف الحاكم، التي ينتظر أن تكون محرجة للغاية أمام الكتل المعارضة لأنها ستضطر لسحب الثقة من الرجل الذي دافعت عنه مراراً، وستكون مجبرة على صياغة خطاب سياسي لا يسقطها في التناقض. وتعد هذه المسألة على قدر كبير من الصعوبة، بالنظر إلى ما تم أصلاً من استهداف للصيد، من الحزب الأول "نداء تونس" ووزرائه في الحكومة نفسها الذين انضموا إلى دعوة رئيس حكومتهم للاستقالة بهدف المحافظة على مقاعدهم، إلا أنه بسحب الثقة من كامل الحكومة، سيضع الصيد الجميع في وضع صعب، إذ لا يعقل أن يعود وزراء في حكومة فاشلة للحكومة الجديدة.
يذكر أن كتلة "نداء تونس" أصبحت مكونة من 67 نائباً، ما يعني أنها على بعد ثلاثة مقاعد فقط من العودة إلى الأكثرية النيابية وتجاوز كتلة حركة النهضة (69 مقعداً)، لتتمكن من ترشيح رئيس جديد للحكومة، على الرغم من أن حركة النهضة يسّرت هذا الأمر عليها بالتأكيد أنها ستحتكم لنتائج الانتخابات وليس للوضع البرلماني الحالي. لكن الأخبار المتواترة من "النداء" ترجح أن يشهد الحزب مجدداً بعض الانقسامات بسبب الخلاف حول الترشيحات المنتظرة للحقائب الوزارية، إذ تشتعل المنافسة بين بعض مكوناته منذ أسابيع.
أما الرسالة الأخيرة للصيد، فستكون موجهة لأحزاب المعارضة، التي أصبحت فجأة من أكبر المدافعين عنه، وحوّله بعضها الى بطل دستوري، بسبب موقفه من المبادرة. وستكون هذه الأحزاب بدورها مجبرة على صياغة مداخلات في هذا الاتجاه وبما يكسبها في الوقت نفسه بعض النقاط، إذ إن الصيد بقراره يتيح أمامها الفرصة على مصراعيها لانتقاد خيارات الائتلاف الحاكم، على أبواب استحقاق الانتخابات البلدية المقبلة.
وأخيراً ينتظر أن تكون التجربة الدستورية الجديدة على التونسيين، بمثابة تعبيد الطريق أمام رئيس الحكومة الجديد، بسبب تقليص تدخل الرئاسة في العمل الحكومي. يضاف إلى ذلك أنها ستنبه رئيس الحكومة الى تعقيدات العلاقة بالرئاسة وأحزاب الائتلاف الحاكم، التي يمكن أن تمنحه الثقة وتسحبها بسرعة، كما حدث مع الصيد.
كما يرتقب أن تكون التجربة، أيضاً، رسالة مهمة إلى السبسي وداعميه، في اختيار الشخصية الجديدة لقيادة الحكومة لجهة ضمان "ألا تتمرد على القصر"، كما حدث مع الصيد، وهو ما قد يعيد كل الحسابات، ويعسّر عملية البحث، الصعبة أصلاً.