درعا: نموذج "المعارضة المعتدلة" يختبر نوايا المجتمع الدولي

14 نوفمبر 2014
أكثرية الألوية المقاتلة في درعا من "الجيش الحر" (الأناضول)
+ الخط -

بعد التقدّم الأخير الذي أحرزته المعارضة السورية المسلّحة على جبهتي نوى والشيخ مسكين، وما سبقها من انتصارات متلاحقة في الجنوب السوري، تبرز درعا اليوم كقوة جديدة بعد التقدّم السريع على مختلف جبهاتها، وتشكيلها خطرا حقيقيا يحدق بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ويقترب من العاصمة دمشق بشكل مباشر.

وبقدر ما تبدو تلك الانتصارات مهمة عسكرياً، إلا أنها تحمل مضموناً سياسياً لا يقل أهمية، تحديداً في الوقت الذي بدأ ينحسر فيه مفهوم "المعارضة المعتدلة" تدريجياً على الأرض، خصوصاً بعد الانهيار الذي شهده الشمال السوري في حرب الجبهتين، (جبهة النصرة وجبهة ثوار سورية)، والذي أدى إلى حسم الصراع لصالح "النصرة".

ودفع هذا الأمر المجتمع الدولي لإعادة التفكير بشكل جدّي في مفهوم "معارضة معتدلة" قوية قادرة على السيطرة على الأرض، تلك التي تسعى الولايات المتحدة مع المجتمع الدولي إلى تشكيلها، إضافة إلى ما تتعرض له حلب على يد قوات النظام السوري وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إذ باتت المدينة مهددة بالسقوط بشكل جدي.

وتبرز درعا في هذا الوقت بالذات كنموذج جديد لمعارضة سورية مسلّحة، قادرة على تحقيق انتصارات متتالية بإمكانيات محدودة ضمن فترة زمنية قصيرة، وربما تتوافر فيها شروط المعارضة المعتدلة بحسب "مقاييس المجتمع الدولي".

ويبدو نموذج درعا كـ "معارضة معتدلة" في الظرف الحالي مشجعاً بالنسبة للمجتمع الدولي أكثر من الشمال السوري، فالظروف الموضوعية في درعا تختلف عن الشمال، إذ إن نسبة الفصائل المقاتلة تحت لواء "الجيش الحرّ" في درعا أكبر منها في إدلب، مع عدم وجود أي انتشار لتنظيم "داعش".

كما أن التنظيم الأخير على المستوى العسكري الذي شهدته القيادة المشتركة في درعا، والذي استتبع تنظيماً إدارياً انعكس حتى على الحياة المدنية، وهو ما ظهر أخيراً عبر قيام قوات الجيش الحر بتسليم إدارة صوامع الحبوب، التي تم السيطرة عليها ضمن المناطق المحررة إلى الحكومة المؤقتة.

حتى القاسم الوحيد المشترك بين الشمال والجنوب السوري والمتمثل بجبهة "النصرة"، يمكن ملاحظته تبعاً للمنطقتين، إذ إن درعا كانت خياراً مفروضاً على "النصرة"، بعدما طُردت على يد "داعش" من دير الزور، أي أنها كانت منطقة "لجوء"، بعكس تواجدها في إدلب كخيار استراتيجي وتحويلها إلى منطقة "نفوذ"، إضافة إلى أن درعا اليوم تشكّل قوة أكبر كجبهة متصلة بالقنيطرة حيث تحقق الأخيرة انتصارات لا تقل أهمية، ما يجعل المنطقة الجنوبية من سورية تحمل تحوّلاً حقيقياً في مسار الثورة السورية.

كل هذه الأسباب تجتمع لتجعل من درعا نموذجاً، يختبر نوايا المجتمع الدولي في دعم المعارضة السورية "المعتدلة".

لكن الظروف نفسها التي قد تجعل درعا نقطة جذب لدعم المجتمع الدولي، ربما ستجعلها نقطة توتر بالنسبة له، إذ إن تلك القوة المتنامية في الجنوب السوري تهدد دمشق بشكل مباشر، خصوصاً أن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة ينادي بالحل السياسي في سورية، وهذا ما يؤكده الجميع حتى مجموعة دول أصدقاء سورية التي تعوّل عليها المعارضة السورية. وهذا الحل يستتبع حماية العاصمة من السقوط بشكل رئيسي، للحفاظ على ما تبقى من شكل الدولة، ولعل هذا ما سيمنع انتصارات درعا من أن تستمر أو سيجعلها محدودة، أي أن المجتمع الدولي سيدعمها بشكل محدود، وربما استخدامها كورقة ضغط على النظام بهدف إعادة توازن القوة أكثر من إنهاء طرف على حساب آخر.

أما إذا كان دعم مقاتلي درعا حتى النهاية هو خيار الدول الداعمة، فسيشكل ذلك تهديداً حقيقياً لنظام الأسد، وتحوّلاً مهماً في مسار الثورة السورية، كما سيؤدي إلى تخفيف الضغط عن حلب في هذه الفترة، وربما إعادة توازن حقيقي لطرفي الصراع السوري، وقد يستدعي زيادة الضغط الدولي على الأردن في إطار دعم الجبهة الجنوبية.

في كلا الخيارين فإن درعا، بهذا التقدم السريع، تضع صدقية المجتمع الدولي في دعم "المعارضة المعتدلة" على المحك، وتقدّم نموذجاً يجب أن يكون تعميمه مغرياً للمعارضة السورية نفسها، قبل أن يكون كذلك للمجتمع الدولي.