10 نوفمبر 2024
درس كورونا .. أردنياً
كتب أردني على موقع التواصل الاجتماعي "برميل النفط أصبح 20 دولار بس الواحد خجلاً يفاتح الحكومة بالموضوع". بالطبع، كانت الجملة على سبيل النكتة، وقد أصبحت متداولة على نطاق واسع لدى المواطنين، لأنّها بالفعل تعكس تحولاً جوهرياً في مزاج الشارع الأردني وتفاعله مع الحكومة وقراراتها الحاسمة في احتواء انتشار فيروس كورونا.
على الرغم من تفعيل قانون الدفاع، وهو أمر لم يحدث منذ عقود طويلة في الأردن، ومن حظر التجول، ومن قرارات حاسمة قبلها وبعدها، ومن نزول الجيش إلى الشارع، إلا أنّ ذلك لقي ترحيباً وتأييداً شعبياً غير مسبوق، وكان لحضور رئيس الوزراء والوزراء إعلامياً وقعٌ جديد مقبول شعبياً، بعد أن كانت شعبية الحكومة في الحضيض، بانتظار رصاصة الرحمة، في الشهر المقبل (إبريل/ نيسان)، إذ كان متوقعاً حل مجلس النواب ورحيل الحكومة وتحديد موعد الانتخابات النيابية في الصيف.
قلب كورونا التوقعات السياسية رأساً على عقب، وأعاد خلط الأوراق كاملةً، فالحكومة اكتسبت ثقةً عالية، وأعاد طرح الأسئلة عن احتمالات المرحلة المقبلة، في ظل كورونا، في ما إذا كانت الحكومة سترحل في الوقت المحدّد؟ وهل ستجري الانتخابات في الصيف أم هنالك نقطة تحول؟ وذلك كله مرتبط، بالضرورة، بسيناريوهات احتواء كورونا، وتداعياته محلياً وإقليمياً وعالمياً.
لم يكن التحول المدهش في الموقف الشعبي من الحكومة مقتصراً على الشعور العام بالخشية من انتشار كورونا، ومن ضرورة ترصيص الصفوف الداخلية لمواجهة الخطر على حياة الناس
ووجودهم، بل ارتبط الموقف أيضاً بقناعة الرأي العام أنّ تلك الإجراءات الحكومية القاسية كانت صائبة، وفي صالح المواطنين، وأنّها جنبتنا إلى الآن كوارث كبيرة. ليس ذلك فحسب، بل تميز أداء الوزراء عموماً بصورة لافتة استثنائية، وصعدت شعبية عديدين منهم، وأخذ النشطاء يتداولون تصريحاتهم ومواقفهم بإعجاب، وهذه بالفعل مفارقةٌ غريبة اليوم، ليس فقط في الأردن، بل في العالم العربي في الوقت الراهن.
أن يقوم سياسي معارض، بحجم ليث شبيلات، لم يعهد عنه إلا نادراً تأييد مواقف رسمية، بدعم الحكومة والإشادة بدورها، وأن يتحوّل نشطاء معروفون على مواقع التواصل الاجتماعي، يتربصون في العادة للسياسات الحكومية ويقفون لها بالمرصاد، إلى مدافعين عن السياسات الحكومية، ويشكلون حملةً لدعم مؤسسات الدولة، فذلك كله بالفعل يعد لحظة استثنائية أيضاً، ما يطرح سؤالاً منطقياً: ما الذي يمنع من أن تكون الأمور هكذا، عادة، بمعنى الثقة بين الحكومات والشارع والتوافق على المصالح الوطنية العليا، وتجنّب ما وصلت إليه البلاد خلال الأعوام الأخيرة من تصدّعات عميقة في حجم الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، واحتجاجات أدّت إلى إسقاط الحكومة السابقة، ومسيرات للمتعطلين عن العمل، واعتقالات بالعشرات لناشطين من الشباب المطالبين بالتغيير؟
هل الفرق هو ظرف استثنائي؟ أي خطر كورونا.. ومن قال إنه الوحيد، ولا توجد تهديداتٌ أكثر خطورة على المدى البعيد للأمن الوطني والسلم المجتمعي الأردني؟ هناك صفقة القرن التي تمثل تهديداً حقيقياً للأردنيين والفلسطينيين على السواء، وتحولاً استراتيجياً في الموقف الأميركي - الإسرائيلي تجاه الأردن. والأزمة الاقتصادية والمالية هي الأخرى تفتك بالمواطنين وعلاقتهم بالدولة، ومسيرات المتعطلين عن العمل، مع المعدّلات غير المسبوقة للبطالة هي الأخرى ذات آثار وخيمة إن لم يكن هنالك حل، وعلى الأغلب لا يوجد حل على المدى القصير، فنحن أمام مئات الألوف من الشباب العاطلين عن العمل، ومن ينتظرون هذا الشبح وهم ما يزالون على مقاعد الدراسة.. إلخ.
بمعنى أن كورونا، وإن كان خطراً مباشراً، ليس استثناء. وطالما أن المواطنين وقفوا مع الحكومة في ظروف صعبة وقرارات قاسية، فإنهم يمكن أن يقفوا مع دولتهم أيضاً، في مواجهة أخطار وتهديدات وتحدّيات شبيهة، لكن الشرط أو المفتاح لذلك هو وجود توافق على سياسات
مواجهة تلك الظروف، بما يعزّز الجبهة الداخلية ويصلبها، وربما هذه "كلمة السر" التي تفسّر الصمود الأردني على مر العقود الماضية.
كما أن الحكومة أبدعت وأنجزت، وإنْ لم يكن التحدي لم ينته بعد، فإن تجاوب المعارضة والشارع كان هو الآخر إنجازا وعلامة مسجلة أردنية، وهو ما نجده في اللحظات الصعبة والحرجة، كما حدث عندما أعدم تنظيم داعش، في العام 2015، الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، وفي مواجهة العمليات الإرهابية التي أدت إلى قتل مواطنين وعناصر من الجيش والأمن قبل قرابة أربعة أعوام، ففي لحظات الشدة والتهديد يتحد الصف الداخلي، على خلاف الوضع العام، فهنالك فجوة عميقة تعود إلى الظهور بمجرّد انتهاء لحظة الخطر أو التحدّي.
الدرس الأردني من كورونا يطرح أسئلة برسم الإجابة: لماذا لا نخرج بدروس من هذه الأوقات العصيبة لمواجهة التحدّيات طويلة المدى؟ لماذا لا تعيد الحكومة التصالح مع الشارع والشباب، طالما أنهم في هذا المستوى من الوعي والإدراك؟ لماذا الخوف من الديمقراطية والحرية إذا كانت ستؤدّي إلى إعادة بناء الثقة، وتجنب البلاد اهتزازات خطيرة، وسيناريوهات مؤلمة، تحدث في دول عربية أخرى؟
قلب كورونا التوقعات السياسية رأساً على عقب، وأعاد خلط الأوراق كاملةً، فالحكومة اكتسبت ثقةً عالية، وأعاد طرح الأسئلة عن احتمالات المرحلة المقبلة، في ظل كورونا، في ما إذا كانت الحكومة سترحل في الوقت المحدّد؟ وهل ستجري الانتخابات في الصيف أم هنالك نقطة تحول؟ وذلك كله مرتبط، بالضرورة، بسيناريوهات احتواء كورونا، وتداعياته محلياً وإقليمياً وعالمياً.
لم يكن التحول المدهش في الموقف الشعبي من الحكومة مقتصراً على الشعور العام بالخشية من انتشار كورونا، ومن ضرورة ترصيص الصفوف الداخلية لمواجهة الخطر على حياة الناس
أن يقوم سياسي معارض، بحجم ليث شبيلات، لم يعهد عنه إلا نادراً تأييد مواقف رسمية، بدعم الحكومة والإشادة بدورها، وأن يتحوّل نشطاء معروفون على مواقع التواصل الاجتماعي، يتربصون في العادة للسياسات الحكومية ويقفون لها بالمرصاد، إلى مدافعين عن السياسات الحكومية، ويشكلون حملةً لدعم مؤسسات الدولة، فذلك كله بالفعل يعد لحظة استثنائية أيضاً، ما يطرح سؤالاً منطقياً: ما الذي يمنع من أن تكون الأمور هكذا، عادة، بمعنى الثقة بين الحكومات والشارع والتوافق على المصالح الوطنية العليا، وتجنّب ما وصلت إليه البلاد خلال الأعوام الأخيرة من تصدّعات عميقة في حجم الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، واحتجاجات أدّت إلى إسقاط الحكومة السابقة، ومسيرات للمتعطلين عن العمل، واعتقالات بالعشرات لناشطين من الشباب المطالبين بالتغيير؟
هل الفرق هو ظرف استثنائي؟ أي خطر كورونا.. ومن قال إنه الوحيد، ولا توجد تهديداتٌ أكثر خطورة على المدى البعيد للأمن الوطني والسلم المجتمعي الأردني؟ هناك صفقة القرن التي تمثل تهديداً حقيقياً للأردنيين والفلسطينيين على السواء، وتحولاً استراتيجياً في الموقف الأميركي - الإسرائيلي تجاه الأردن. والأزمة الاقتصادية والمالية هي الأخرى تفتك بالمواطنين وعلاقتهم بالدولة، ومسيرات المتعطلين عن العمل، مع المعدّلات غير المسبوقة للبطالة هي الأخرى ذات آثار وخيمة إن لم يكن هنالك حل، وعلى الأغلب لا يوجد حل على المدى القصير، فنحن أمام مئات الألوف من الشباب العاطلين عن العمل، ومن ينتظرون هذا الشبح وهم ما يزالون على مقاعد الدراسة.. إلخ.
بمعنى أن كورونا، وإن كان خطراً مباشراً، ليس استثناء. وطالما أن المواطنين وقفوا مع الحكومة في ظروف صعبة وقرارات قاسية، فإنهم يمكن أن يقفوا مع دولتهم أيضاً، في مواجهة أخطار وتهديدات وتحدّيات شبيهة، لكن الشرط أو المفتاح لذلك هو وجود توافق على سياسات
كما أن الحكومة أبدعت وأنجزت، وإنْ لم يكن التحدي لم ينته بعد، فإن تجاوب المعارضة والشارع كان هو الآخر إنجازا وعلامة مسجلة أردنية، وهو ما نجده في اللحظات الصعبة والحرجة، كما حدث عندما أعدم تنظيم داعش، في العام 2015، الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، وفي مواجهة العمليات الإرهابية التي أدت إلى قتل مواطنين وعناصر من الجيش والأمن قبل قرابة أربعة أعوام، ففي لحظات الشدة والتهديد يتحد الصف الداخلي، على خلاف الوضع العام، فهنالك فجوة عميقة تعود إلى الظهور بمجرّد انتهاء لحظة الخطر أو التحدّي.
الدرس الأردني من كورونا يطرح أسئلة برسم الإجابة: لماذا لا نخرج بدروس من هذه الأوقات العصيبة لمواجهة التحدّيات طويلة المدى؟ لماذا لا تعيد الحكومة التصالح مع الشارع والشباب، طالما أنهم في هذا المستوى من الوعي والإدراك؟ لماذا الخوف من الديمقراطية والحرية إذا كانت ستؤدّي إلى إعادة بناء الثقة، وتجنب البلاد اهتزازات خطيرة، وسيناريوهات مؤلمة، تحدث في دول عربية أخرى؟