أخيراً عثرتُ على المجموعة القصصية السورية المشتركة بعنوان: "درب إلى القمة". وهي منشورة باسم "رابطة الكتاب السوريين"، ومطبوعة في مطابع الإنشاء في دمشق بتاريخ 31 أيار من عام 1952.
وقد اختار المشاركون وهم تسعة كتاب، أن تكون قصة مواهب كيالي عنواناً للمجموعة كلها، وعبّر الغلاف (لا توجد إشارة إلى من رسمه) عن العنوان برسم طريق لولبية صاعدة، يقطعها رجلٌ يحمل سلّة أو صرّة على كتفه، متجهاً نحو صخرة ضخمة عالية في أعلى صفحة الغلاف، وكتب الإهداء في الصفحة الثانية هكذا: "إلى الصاعدين نحو القمة... نشقّ هذا الدرب... الصغير".
ومن بين المشاركين سعيد حورانية وحنا مينة وشوقي بغدادي وحسيب ومواهب كيالي وليان ديراني وصلاح دهني، وهم جيل من الكتاب السوريين الشباب ينتمون فكرياً إلى جبهة اليسار، يعلنون في مقدمة المجموعة، وهي البيان التأسيسي للرابطة، أن همهم ليس التعبير الأدبي أولاً، بل التكتل الفكري الذي يجعل التعبير وسيلة لخدمة القضايا العامة.
أو كما قال البيان: "إننا نريد أن نوقظ حركة نائمة، وأن ندفعها للسير فلا تقف بعد ذلك أبداً". ولهذا نرى أن معظم القصص قد اشتغلت على المتن الفكري والسياسي أكثر من اشتغالها على البنية الفنية.
واللافت أن تكون المجموعة قد صدرت في ذلك العام، وكان الحكم العسكري قد بدأ في البلد منذ بضع سنوات بعد الانقلاب الأول لحسني الزعيم، الذي تبعه سامي الحناوي، ثم جاء بعده أديب الشيشكلي. ويبدو أن آلة الطغيان العسكرية لم تكن قد طاولت بعد جميع مفاصل الحياة في سورية، وكان متاحاً في ظل عسكريّ أضحى ديكتاتوراً بعد ذلك، أن تتشكل هيئة مدنية حرّة هي "رابطة الكتّاب السوريين"، وأن تصدر كتاباً مشتركاً يضمّ قصصاً لعدد من أعضائها.
الملاحظ أن ما بشّرت به هذه الدفعة القوية من القصص ومن كتّاب القصة لم يتحقق، وقد شهدت القصة السورية ركوداً بيناً أعقب هذه المحاولة الرائدة، ومن غير المعروف تماماً أسباب ذلك، إذ من الصعب أن نردها إلى الطغيان السياسي، فقد شهدت سورية في الحقبة التالية انفراجاً محدوداً في الحياة السياسية بعد سقوط حكم أديب الشيشكلي العسكري.
فهل يكون الاتجاه الذي اختاره الكتّاب بالذات، أي اعتبار القصة القصيرة أداة في النضال الطبقي والسياسي سبباً في هجرة الكتابة لدى الكتّاب الذين وجدوا في الحقول الفكرية الأخرى سبيلاً أكثر فائدة في تحقيق أهدافهم الشخصية؟ أم يكون من المفيد تتبّع المصائر الشخصية للكتّاب الذين شاركوا في تأسيس رابطة الكتاب، أو في التبشير لدور القصة.
وفي كل الأحوال فقد كان هذا الكتاب واحداً من أشهر الكتب التي تركت آثاراً راسخة في الحياة الثقافية لبلد مثل سورية، وقد دخل تاريخ الأدب في بلادنا كعمل تأسيسي بارز في حقل القصة القصيرة. لكن أكثر الأمور طرافة في هذا الخصوص أن أحداً لم يفكر بإعادة طباعته، كأن الجميع اتفقوا أن يوضع في متحف العاديات كي ينتمي إلى التاريخ لا إلى حركاته.