وشددت الدراسة الصادرة عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، ونشرها موقعه بعد ظهر اليوم الثلاثاء، على أن "الأثمان التي تدفعها السعودية مقابل السياسات التي يمليها ولي العهد تفوق العوائد التي تجنيها الرياض".
ووصفت الدراسة، والتي أعدها رئيس قسم الدراسات الخليجية في المركز، يوئيل جوزينسكي، الاستراتيجية التي يتبناها بن سلمان، من خلال حربه على اليمن والحملة التي يقودها ضد قطر، بـ"مغامرة تنطوي على مخاطر كبيرة"، مشيرة إلى أن "سياسات بن سلمان أفقدت السعودية قدرة التأثير على موازين القوى بين الأطراف التي تتصارع في المناطق الحيوية للمملكة، لا سيما في اليمن والعراق وسورية".
ورأت الدراسة أن ما يفاقم خطورة سياسات ولي العهد السعودي حقيقة أنها تتزامن مع بروز تحديات داخلية، وخلصت إلى أن "استعادة السعودية لمكانتها الاستراتيجية كلاعب إقليمي تتطلب إحداث تغيير جذري على سياسات بن سلمان"، مشيرة إلى أن النهج الذي يتبناه ولي العهد السعودي، الذي رجحت أن يكون الملك القادم للسعودية، يناقض المبادئ العامة التي حكم السعودية في الماضي.
وعددت الدراسة مظاهر التراجع الإقليمي التي قادت إليها السياسات التي تبنّاها بن سلمان، وشددت على أن "الحملة التي تقودها السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد قطر فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها"، مشيرة إلى أن رهانات الدول الأربع على دور العقوبات التي فرضتها في إجبار الدوحة على الاستجابة لمطالبها تبيّن أنها في غير مكانها.
ولفتت الدراسة الأنظار إلى أنه تبيّن أن الثمن الذي تدفعه السعودية، في إطار هذه الحملة، أكبر من الثمن الذي تدفعه قطر، بفارق أن الضغوط التي تُمارس على الدوحة لم تنجح في دفعها لقبول أي من الشروط التي حاولت الدول الأربع فرضها عليها.
وحسب الدراسة، فإن الأثمان التي تدفعها السعودية نتاج الحملة التي تقودها ضد قطر "تتعاظم مع مرور الوقت"، مشيرة إلى أن ما فاقم الأمور خطورة بالنسبة للرياض حقيقة أن الصمود القطري مسّ بمكانة السعودية الإقليمية وسمعتها، مشيرة إلى طغيان الاستهجان حول فشل السعودية والدول التي تقف إلى جانبها في "تطويع دولة صغيرة ومارقة مثل قطر".
وأشارت إلى أن ما زاد من كلفة الحملة ضد قطر أنها أسفرت عن تصدع خارطة التحالفات التقليدية للسعودية، مشيرة، بشكل خاص، إلى التوتر السائد بين السعودية وباكستان، بسبب رفض الأخيرة الاستجابة لطلب الرياض الانضمام للحملة ضد الدوحة. وأوضحت الدراسة أن ما يدلل على أن الحملة على قطر قد أفضت إلى نتائج عكسية حقيقة أنها سمحت للدوحة بـ"تعزيز علاقاتها مع قوى إقليمية وازنة، وتحديدا تركيا وإيران، واللتين تجندتا لمساعدة الدوحة للتغلب على الحصار".
ولفتت الدراسة إلى أنه على الرغم من أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد أعطى الانطباع في خطابه في قمة الرياض وكأنه منح الضوء الأخضر لحصار قطر، إلا أنه قد تبيّن أنّ المؤسسات السيادية في الولايات المتحدة باتت ترى في تواصل الأزمة القطرية تهديداً مباشراً للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. وأضافت: "من مصلحة أميركا أن يتم عرض جبهة عربية سنية موحدة في مواجهة تنظيم "داعش" والجماعات المتطرفة وإيران، وتواصل الأزمة الخليجية يدلل على عدم توفر هذا الشرط".
وتؤكد الدراسة على أن كل المؤشرات تشي حالياً بأن الإدارة الأميركية باتت معنية بـ"البحث عن صيغ تساعد على إنزال بن سلمان من أعلى الشجرة التي صعد عليها، لا سيما بعد أن دللت الأمة على أن مجلس التعاون الخليجي يوشك على الانهيار"، مشيرة إلى أن المجلس قد "حقق إنجازات كبيرة في الماضي، إذ إن دوله مثلت منطقة عازلة بين إيران والسعودية".
من ناحية ثانية، أشارت الدراسة إلى أن الحرب التي تقودها السعودية ودولة الإمارات في اليمن "وصلت إلى طريق مسدود، وهي أبعد ما تكون عن تحقيق أهدافها، لا سيما إخضاع القوات الحوثية، على الرغم من أن السعودية تملك والوسائل القتالية الأكثر تطورا في العالم، إلى جانب أن موازنتها الأمنية تعد ثالث أكبر موازنة في العالم، بعد كل من الولايات المتحدة والصين".
وخلصت الدراسة على أن الأداء العسكري في اليمن يدلل على أن السعودية "مجرد نمر من ورق"، مشيرة إلى أن قوات الحوثي وحليفه علي عبد الله صالح تواصل استهداف العمق السعودي بالصواريخ.
وحسب الدراسة، فإن الرياض تدفع ثمناً اقتصادياً باهظاً جراء الحرب على اليمين، و"التي باتت عبئاً ثقيلاً على الموازنة السعودية". وذكرت أنه إلى جانب المس بالمكانة الدولية للسعودية من جرّاء الخسائر في صفوف المدنيين في اليمن، فإن هناك ما يؤشر إلى أن السلطات السعودية تحاول إسكات الأصوات التي باتت تنطلق داخل الرياض، والتي توجه انتقادات لتعاظم الخسائر في صفوف الجنود السعوديين.
وتطرقت الدراسة للتراجعات الإقليمية الأخرى التي انتهت إليها السياسة السعودية، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تتكبد قوى المعارضة السورية التي دعمتها الرياض الخسائر، فإن القوى التي تدعمها إيران وروسيا تحقق انتصارات متوالية. وأشارت إلى أنه على الرغم من التحولات التي أدخلها بن سلمان على السياسة تجاه العراق، وتغيير نمط التعاطي مع الأبعاد القبلية والمذهبية في بلاد الرافدين، فإنه تبين أن هذه التحولات لم تؤثر على موازين القوى داخل العراق، والتي ظلت تميل لصالح القوى المدعومة من إيران، مشيرة إلى أن الحرب التي يخوضها التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، والتي تنخرط فيها السعودية، عززت نتائجها مكانة القوى المدعومة من قبل إيران هناك.
ورأت الدراسة أنه على الرغم من تعمد بن سلمان الهيمنة على كل الصلاحيات الأمنية والسياسية والاقتصادية فإنه "لم يحدث تحسناً على مكانته الداخلية، ولم تسفر خطواته عن تعاظم مكانة المعسكر الذي يقوده داخل العائلة المالكة". ورأت الدراسة في حملة الاعتقالات التي شملت أكاديميين ورجال دين وإعلاميين محاولة استباقية من بن سلمان لاحتواء الانتقادات لسياساته التي يتوقع أن تتعاظم مع مرور الوقت.
ولاحظ معد الدراسة أن إزاحة ولي العهد ووزير الداخلية السابق، محمد بن نايف، من منصبه ووضعه قيد الإقامة الجبرية، قد فاقمت حالة انعدام الرضا داخل العائلة المالكة وفي السعودية بشكل عام، وعززت من مكانة المعسكر الرافض لبن سلمان. وأشارت الدارسة إلى أن خطة بن سلمان للإصلاحات الاقتصادية (رؤية 2023) "باتت مثار شك، في ظل مؤشرات على وجود صعوبات جمة تعترض تطبيق هذه الخطة"، محذرة من أن خطر انفجار احتجاجات شعبية من جراء تطبيق هذه الخطة بات وارداً.
وحذرت الدراسة صناع القرار من مغبة المبالغة في الرهان على عوائد العلاقة مع الرياض، مشيرة إلى أن إضعاف مكانة السعودية نتاج السياسات التي يتبعها بن سلمان، و"الخسائر الإقليمية" التي تتكبدها الرياض، سيدفع القيادة الإسرائيلية لاحقاً إلى تقليص الرهان عليها، وسيفضي إلى تراجع حماس رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لفكرة "التسوية الإقليمية".