دجاجة ستالين وسياسة ترامب

17 فبراير 2017
+ الخط -
يقال أن ستالين طلب، في إحدى المناسبات، أن يأتوه بدجاجةٍ حيةٍ لكي يستخدمَها أمام بعضِ أعوانِه عبرةٍ لا تنسى. أمسك الدجاجةَ بقوةٍ وبدأ ينتفُ ريشَها واحدةً تلو الأخرى، إلى أن أصبحَت عارية تماما، ثم وضعها على الأرضِ، وابتعد عنها قليلا وفي يدِه فتاتٌ من الخبزِ، فقفزت الدجاجة نحوه ليرمي لها بعض الحب. وبعدها قال: "هذه هي الطريقةُ التي ينبغي أن يُحكمَ الشعبُ بها؟ هل رأيتم كيف تتبعني هذه الدجاجةُ، لكي تأكل على الرغم من أنني سبّبت لها عذاباً أليماً؟
تصرّفُ "ستالين" في ذلك العهدِ لربما كان منطقياً من أجل إدارةِ التحوّلِ في المجتمعِ الروسي، وما رافق ذلك من تغيّراتٍ على صعيدِ القوى الدولية. ذلك المنهج الذي استخدمه ستالين، يسعى اليوم الرئيسُ الأميركي، دونالد ترامب، إلى تطبيقِه على الأقلياتِ، وخصوصا المسلمين، وعلى الدولِ الكبرى والصغرى، وخصوصا الدول العربية، تلك السياسةُ مفادها "أنني سأنتفُ ريشَ الكل حتى تأتوني طوعاً وحيثما أريد وُوفق ما أريد لأن مصلحةَ أميركا أهمُّ من كلِّ شيء، ترامب رفعَ أخيرا شعار "أميركا أولا"، فهو شغوفٌ بحلقاتِ المصارعةِ الحرة وحلباتها، ويعتقدُ جازماً أنّ صراعَه مع الدول والأقلياتِ، يمكنُ أن يحلَّ في حلبةِ مصارعةٍ من خلال جمعِ عددٍ من المصفقين لذلك الشعار.
ما يسعى إليه ترامب في المرحلةِ المقبلة هو تأسيسٌ لما بعد عبارات "الإسلام المتطرّف"، للوصول إلى صيغةٍ دوليةٍ يتعاطى معها الإعلامُ ويروجُها للجمهورِ المحلي، من أجل فرضِ سياساتٍ أكثر عدائية ضد الدولِ العربية والإسلامية، ومعاداة شعوبِها وأفكارِها وترويض قواها من أجلِ الحفاظِ من جديدٍ على المصالحِ الأميركيةِ في الشرق الأوسطِ، ولضمانِ أمنِ إسرائيل وسلامتها، سواء من خلال التحالفاتِ القديمةِ أو استحداثِ تحالفاتٍ جديدةٍ، من شأنِها تعزيزُ الوجودِ الأميركي في المنطقةِ، وتقويضُ التنامي الروسي الإيراني، بعد تعاظمِ قوةِ التحالفِ الروسي الإيراني، بانضمامِ تركيا لهذا المحور.
ينظرُ الرئيسُ ترامب إلى عظمةِ أميركا من خلال استعادة العنجهيةِ وسياسةِ الكيلِ بمكيالين والضربِ بقوةٍ ورفعِ العصا أمام العالمِ أجمع، ونشرِ القوةِ والرعبِ بين الشعوبِ الفقيرةِ والضعيفةِ في الوطنِ العربي. وهنا يجد ضالتَه في تمريرِ سياساتِه ومخططاتِه الاستعمارية الجديدة. ولكن بشكل ممنهجٍ بإثارةِ الجدلِ في تصريحاتِه وتعدياتِه على وسائل الإعلامِ والصحفيين، وهي الطريقةُ المناسبةُ لتسليطِ الإعلامِ على تلك "التفاهات"، وترك القراراتِ الحقيقية مغلفة وسرية وحبيسة البيت الأبيض فقط.
صناعةَ الإثارةِ الإعلاميةِ لقرارِ ترامب حول منعِ مواطني سبعِ دولٍ من دخول أميركا، لحقته قراراتٌ من المحاكمِ ومن القاضى جيمس روبرت الذي جدّدَ آمالَ المسافرين لأميركا بعد تعليقِ "حظر الدخول"، في حين هاجم ترامب الحكمَ من خلال تغريدِه على تويتر قائلاً "سخيف وسيتم نقضه".
السذاجةُ العربيةُ لا زالتْ غيرَ مؤمنةٍ أنّ ترامب أصبح رئيساً، وأنه لا عودة قريبة لعصرِ الحمائم في البيتِ الأبيض، ويعتقدُ بعضُهم أنّ ترامب لن يكتبَ له النجاحُ في إدارةِ أميركا وحكمها طويلا، لأنه رجلٌ مثيرٌ للجدلِ ومتهورٌ ويحبُّ مهاجمةَ الصحفيين ووسائلَ الإعلامِ، وأنّه لا توجدُ له خبرة سياسية، ولا يتمتعُ بالحدسِ السياسي، أعتقدُ أنّ نصفَ المجتمعِ الأميركي وأكثر مؤمنين بفكرِ ترامب، لأنّ ترامب جاء من خلالِ صندوقِ الانتخاباتِ ولم يرثْ الحكمَ عن أبيه أو جدِه.
علينا أن نفكرَ بما يفكرُ به ترامب: على من ستدورُ الدائرةُ في الوطنِ العربي من جديدٍ؟ من الضحيةُ القادمةُ لصراعِ البقاءِ في الشرقِ الأوسط والمغربِ العربي؟ من سيكتوي بالنيرانِ ومن سيدفعُ الأثمانَ؟ ومن سيكونُ الدجاجةَ التي ترقصُ في أحضانِ ترامب؟ وهل سيكتفي بنتفِ ريشِها أم قطعِ رقبتِها؟
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)