حازم مصطفى، موظف لبناني يسكن مع عائلته بدبي في غرفتين وصالة، وجد إيجار شقته يرتفع بمعدل وصل إلى 30 بالمئة من الزيادة، رغم تحديد القانون الزيادة بنسبة 5 بالمئة، لم يعد حازم يتحمل هذه الزيادة في النفقات، يقول وهو يتذمر: "لا أستطيع أن أدفع ثلاثة أرباع مرتبي مقابل إيجار الشقة وأعيش مع عائلتي بالربع المتبقي، خاصة أن ابنتي على أبواب الالتحاق بالمدرسة في العام المقبل". فاضطر للعودة إلى حياة العزوبية، إذ قرر إرسال زوجته الأوكرانية وابنته إلى جدته في بيروت لتتكفل بهما، وينتقل هو للعيش وحيداً في غرفة صغيرة تبلغ مساحتها نحو خمسة أمتار مربعة.
سالم إبراهيم، موظف مصري، اتخذ أيضاً القرار ذاته بالعودة للعزوبية بعد ارتفاع إيجار شقته وارتفاع رسوم المدارس التي تزداد سنوياً بدون أي مبرر، كما يقول، فاضطر لإلغاء إقامة عائلته في الدولة، وإعادتهم إلى القاهرة -بعد تسلمه إشعاراً بزيادة إيجار الشقة التي يقطنها منذ سبع سنوات أو إخلائها- وانتقل من شقة العائلة ليشارك مجموعة من الشباب في السكن ليعيش وحيداً.
ظاهرة متفاقمة
حازم وسالم ليسا الوحيدين اللذين يعانيان من آثار زيادة الإيجارات، فهناك الكثيرون يعيشون هذه الأزمة التي سببت لهم مختلف ألوان المعاناة. حيث وصل إيجار شقة صغيرة مكونة من غرفتين وصالة في دبي إلى نحو 120 ألف درهم سنوياً، ويزيد عن ذلك في إمارة أبو ظبي، وهو المبلغ الذي لا يصل إليه راتب الموظف البسيط، في ظل تقارير تفيد بارتفاع أسعار الإيجارات في دبي بنسبة 22 بالمئة في عام 2013 مقارنة بعام 2012.
وبعد أن كان المؤجرون يدللون المستأجرين ويقدمون لهم إغراءات وتسهيلات كثيرة كالإعفاء من قسطين من الإيجار أو عدم المحاسبة على الكهرباء، أو استلام الإيجار على دفعات أقساط مريحة، أصبح التوتر هو السمة السائدة لعلاقة المالك بالمستأجر في الإمارات.
حتى رصدت لجنة المنازعات في بلدية دبي ازدياد شكاوى المستأجرين، وأكدت اللجنة
المختصة أنها تلقت 1044 دعوى خلال سبعة شهور، أبرزها مطالبة المستأجرين بضرورة إلزام الملاك بتجديد العقود دون رفع قيمة الإيجارات.
يقول سامر عبد العال، الأردني الذي يعيش في دبي منذ سبعة أعوام: "بدأ المستأجرون وملاك العقارات يتبعون أساليب متنوعة من أجل رفع الإيجار، وهي أساليب غير منطقية من أجل إخراج المستأجرين من شققهم، مثلاً يطلب المؤجر تسديد بدل الإيجار على دفعة واحدة بدل تقسيطها كما هو سائد في دبي والمناطق الأخرى".
ورغم أن حركة الإعمار والبناء لا تتوقف في دبي التي تستعد لاستقبال أكسبو 2020 (وهو معرض عالمي يقام كل خمس سنوات في إحدى مدن العالم، يجمع أمماً وثقافات مختلفة لمدة 6 أشهر متواصلة، ويعد أحد أكبر الفعاليات العالمية غير التجارية من حيث التأثير الاقتصادي والثقافي بعد بطولة كأس العالم لكرة القدم ودورة الألعاب الأولمبية، وتم اختيار دبي لمعرض أكسبو 2020، لكن زيادة حركة البناء تلك، يقابلها ارتفاع متزايد في إيجارات الوحدات السكنية.
مشكلة أدت لمشكلات
هذه الموجة من ارتفاع الإيجارات أدت إلى العديد من الأزمات الاجتماعية، فبجانب تأثيرها على ترابط الأسر واستقرارها، واضطرار البعض للعودة إلى حياة العزوبية، أصبح الوافدون يعانون خيارات بعضها أصعب من بعض، فإما السكن في غرفة واحدة مع عائلته، أو مشاركة عائلة أخرى في شقة واحدة، أو ترحيل عائلته، وهذا ما أوجد ظاهرة غريبة باتت ملحوظة تتمثل في زيادة أعداد الذكور عن الإناث في المولات والمراكز التجارية في كل من أبو ظبي ودبي والشارقة، التي تعد من أكبر الإمارات.
ولجأ المستأجرون إلى حلول مختلفة، في محاولة لمعالجة هذه المشكلة المتفاقمة، وانتشر ما
يمكن أن نطلق عليه "السكن المشترك"، أي أن تسكن عائلتان في شقة واحدة، و"تأجير الأسرّة" حيث أصبح تأجير غرفة نوعاً من الترف، فلجأ كثير من العزّاب لسكنٍ مشترك مع 5 أو 6 أشخاص، تكون حصة كل واحد فيه سريراً فقط وليس غرفة، وانتشرت ثقافة "الأستوديو" أي السكن في شقة مكونة من غرفة واحدة.
ونشطت الهجرة إلى الإمارات الشمالية، مثل إمارة عجمان حيث الإيجارات أقل، رغم أن بعض هؤلاء المهاجرين داخلياً هرباً من زيادات الإيجارات مازالت أعمالهم في إمارة دبي، فيضطرون لقطع مسافات طويلة تصل أحياناً إلى نحو 100 كيلومتر ذهاباً وإياباً يومياً.
عمار القاضي، من اليمن، أشار إلى أنه اضطر للتنقل من إمارة إلى أخرى، حيث انتقل من الشارقة ليسكن في عجمان.
يتمسك المؤجرون بمقولة (العقد شريعة المتعاقدين)، والمستأجرون يؤمنون بهذه المقولة، شريطة ألا يتلاعب الملاك بالزيادات كما يحلو لهم. فعلى الرغم من سنّ البلدية قوانين لصالح المستأجرين، إلا أن أساليب المؤجرين تتحايل على القوانين بتحريفها ووضع العقبات في طريقها، كتفسيرهم أن نسبة الزيادة المقررة في القانون (5 بالمئة) يمكن أن ترتفع حسب مستوى المنطقة أو الحي، ومقارنة الإيجارات في الوحدات المماثلة لتصل إلى 30 بالمئة. لذلك تؤكد البلدية على أهمية قراءة المستأجر للعقد، الذي يعتبر حماية أساسية له.
وتبقى الأزمة قائمة، في ظل خيارات محدودة تحصر المستأجرين، آملين أن ينبثق أي ضوء في نهاية نفق الإيجارات المرتفعة المظلم.