دببة باريس... محاولات لإعادة البسمة إلى السكان

30 يوليو 2020
يعمل في المكان (العربي الجديد)
+ الخط -

تنتشر دمى الدبّ الضخمة في أحد أحياء العاصمة الفرنسية باريس، التي تعاني كما بقية العالم من فيروس كورونا الجديد، وما يرافقه من قيود وإجراءات إقفال، فتعيد إلى الحيّ بعض الحياة

الدببة أكثر من الناس، عصرَ هذا اليوم القائظ، في إحدى الصالات السينمائية، في حي ليه غوبلان جنوبي باريس. سيبدأ عرض فيلم "ديغول" لغابريال لوبومان، بعد دقائق، وبالرغم من دخول شخصين إلى قاعة العرض في اللحظة الأخيرة، ما زالت دمى الدب الضخمة أكثر عدداً من البشر بين الحضور.

صحيح أنّ دببة القماش المحشوّة ليست أكبر عدداً من الناس في الخارج، في شوارع ليه غوبلان ومحاله، لكنّها موجودة في كلّ مكان من الحيّ تقريباً: في المطاعم والمقاهي وفي أكشاك بيع الصحف ومتاجر النبيذ والملابس. في مقهاه، الذي يطل على جادة ليه غوبلان، يستضيف رومان دبّين رمليّي اللون، شبيهين بكلّ الدببة الموزعة في الحيّ. يبدو الأول وقد غفا جالساً إلى طاولة عليها صحيفة في بهو المقهى، في حين يستلقي الثاني في أرجوحة شبكية معلقة فوق رؤوس الزبائن قرب المدخل. "يأتي كثير من الزبائن، وحتى من المارة، ليسألوني عن هذه الدببة. في الواقع، هي هنا لهذا السبب بالذات: لخلق رابط بين السكّان، لكي يتحدثوا إلى بعضهم. ليس ثمة سبب آخر". يصمت رومان ثواني قليلة وهو يجفف كؤوس النبيذ والماء وفناجين القهوة، ثم يعود ليضيف: "بعد الخروج من العزل، صار لبعض هذه الدببة مهمة إضافية: تذكير الباريسيين بضرورة الحفاظ على مسافة بين بعضهم لتجنب العدوى. استخدمها البعض بشكل فكاهي لهذا الغرض، وحتى نحن، هنا في المقهى، استخدمناها، وأجلسناها على بعض الكراسي. لكنّ الدببة كانت هنا قبل كورونا، وستبقى هنا بعده".

دببة باريس

منذ أشهر باتت رؤية هذه الدمى الضخمة مألوفة لقسم من الباريسيين. لقد صارت موضوعاً يُعرف به هذا الحيّ الهادئ، الواقع بين الحي الآسيوي، في أقصى الجنوب، والحي اللاتيني، مع جامعاته ومقاهيه ومكتباته المملوءة، وسط العاصمة الفرنسية. عندما نسأل رومان عن أصل الفكرة، وعن كيفية اقتنائه الدبين، يحدّثنا فوراً عن فيليب، المسمى، بين سكّان الحيّ، بـ"بابا الدببة": "رأيت جيراني من أصحاب المطاعم والمحال يقتنون دببة كهذه، فأصبت بالغيرة. قالوا لي إنّ عليّ أن أتقدم بطلب إلى فيليب لكي أحصل على الدببة التي أريد، وفعلت. هو يهتم بكلّ شيء: يقتني الدببة ويعيرنا إياها لمدة معينة، ثم يعود ليتسلمها ويعطيها لأشخاص آخرين".

دببة باريس

يملك فيليب مكتبة لبيع الصحف والمجلات بشكل رئيسي، بالقرب من مترو ليه غوبلان. أمام واجهة محله، ثمة طاولتان يجلس إليهما ثلاثة دببة لا يثيرون، كما يبدو، اهتمام الزبائن الذين لا يتوقفون أمامها قبل دخولهم المكتبة. يقول لـ"العربي الجديد": "بدأت القصة قبل عامين، نهاية 2018. وضعنا دببة في أماكن مختلفة من الحيّ لكي يبتسم الناس، ولنعيد الحياة إلى الشوارع. منذ ذلك الوقت، صار الجيران وأصحاب المحلات يعرفون بعضهم أكثر، وصار الناس يتبادلون الحديث بفضل هذه الدببة. حتى المارة، باتوا يتوقفون للاستفسار عن الموضوع. هذا كلّ ما نريده: أن يتكلم الناس إلى بعضهم". ويعطي مثالاً: "ثمة بائع شوكولا، قريب من هنا، لم يكن أحد يعرف بوجوده بالرغم من أنّ متجره مفتوح منذ أكثر من عشر سنوات. صار الجميع يعرفه اليوم بعد استضافته الدببة. حتى السائحون، بات البعض منهم يأتون لزيارة حيّنا الذي لا يعدّ من الأحياء الباريسية التي تستقطبهم عادةً".

دببة باريس

يتلقى فيليب طلبات من يرغبون باستعارة دببة عبر حساب على "فيسبوك" يحمل اسم "دببة ليه غوبلان": "أعير الدببة لمدة 48 ساعة، بشكل عام، للأشخاص الذين يسجلون على قائمة الراغبين. أتصل بالمسجّلين أولاً بأول، وأسألهم إن كانوا يريدون دباً أو دبةً أو دبدوباً عابراً للجنس. بعد الاتفاق، يأتون لاصطحاب الدببة كي تعيش يومين في حياتهم وكي ترافقهم في مشاويرهم أو في أيّ شيء يرغبونه. من غير الوارد والمسموح أبداً أن يُترك دبٌ في السيارة وحيداً، مثلاً، أو أن يُهمل". يتحدث فيليب عن الدببة وكأنّها تملك حياتها واستقلاليتها وأحاسيسها الخاصة بها: "هذه الدببة الموجودة أمام المكتبة عادت مساء أمس من مغامرة منهِكة قامت بها في شمال باريس. ستنعم اليوم بالراحة وبحمام بخار دافئ قبل أن تنطلق غداً إلى مغامرة جديدة".

دببة باريس

يخرج فيليب هاتفه المحمول من جيبه ليرينا صوراً للدببة "التي تتجول في كثير من المدن خارج باريس" إذ "ثمة من وصل منها إلى نيويورك وإلى المغرب والجزائر، وثمة بالتأكيد من سيصل منها إلى بيروت". يضيف: "هذا الذي سافر إلى نيويورك، لم يوضع في عنبر الحقائب، بل كان له مقعده، مثله مثل أي مسافر".

وفي ما إذا كان ثمة بعد سياسي، يقول إنّ الدببة لا تمارس السياسة بشكل مباشر، لكنّها تساهم في وضع بعض المسائل الاجتماعية على طاولة النقاش: "كان أحد الدببة يريد الترشّح للانتخابات البلدية الأخيرة، لكنّه تأخر في تسليم قائمته الانتخابية"، يعلق ساخراً.

المساهمون