دانيال فاروجان: حليب وقرنفل وأغنيات

21 مايو 2019
(مقطع من ملصق الفيلم)
+ الخط -

يمتد فيلم المخرج نيغول بزجيان "حليب، قرنفل، أنشودة إلهية" لثلاث ساعات، لكن المتفرج لا يشعر بثقل الوقت، بالنظر إلى أن الشريط يقدم شخصية شاعر لا نعرف عنه الكثير في الثقافة العربية، وهو الأرمني دانيال فاروجان (1884 - 1915)، الذي عاش حياة خاطفة لكنها حياة مليئة بالشعر والأحلام والتراجيديا.

في العمل، الذي يُعرض في "دار النمر للفن والثقافة" ببيروت عند السادسة والنصف من مساء اليوم، يُخرج بزجيان (1955) الشاعر من تاريخه الأرمني الصرف، ليصبح شاعراً عالمياً يقترب في روحه وسيرته من لوركا، فالشاعر القتيل هو أحد آباء الشعر الأرمني الحديث، رغم أن عمره الأدبي كان قصيراً جداً، فقد قتل بعد 12 عاماً فقط من بدء الكتابة والنشر، وكان عمره 31 عاماً.

كانت سنوات فاروجان القليلة غنية بالإنتاج الأدبي، فقد أصدر أربعة مجلدات شعرية كبيرة؛ هي: "الرعشات" (1906)، و"قلب السباق" (1909)، و"أغاني باجان" (1912)، و"أغنية الخبز" (1921)، كما أسّس جماعة أدبية عام 1912 أطلق عليها اسم "مهيان" (المعبد)، وأصدر مجلة أدبية بالاسم نفسه.

بيان الجماعة الأدبية كان بمثابة بيان سياسي يدعو إلى مقاومة الاستبداد، معلناً أن الحركة تسعى إلى بدء النهضة الأرمنية، وتحرير الأمة من قرون من العبودية والظلام، وإعادة ربطها بماضيها، وتشجيع الاستقلال ورفض الاستبداد سواء من قيادتها الفاسدة أو السلطة التركية.

جاء في البيان: "بدون الروح الأرمنية لا يوجد أدب أرمني ولا فنان أرمني. فكل فنان حقيقي يعبر فقط عن روح عرقه. نقول: العوامل الخارجية، والعادات المكتسبة، والتأثيرات الأجنبية، والمشاعر المشوهة قد سيطرت على الروح الأرمنية، لكنها لم تقدر على ابتلاعها".

وُلد دانيال تشبوكوكاريان فاروجان في قرية برنيج في سيفاس التركية. وبعد التحاقه بالمدرسة المحلية، أُرسل عام 1896 إلى إسطنبول حيث التحق بمدرسة مخيتاري. ثم تابع تعليمه في مدرسة مراد رافائيل في البندقية، وفي 1905 التحق بجامعة غنت في بلجيكا، حيث تابع دراسته الأدب وعلم الاجتماع والاقتصاد.

في 1909، عاد إلى قريته حيث درس لمدة ثلاث سنوات. بعد زواجه من أراكي فاروجان عام 1912، أصبح مدير مدرسة القدّيس غريغوري في إسطنبول. وفي 1915، قُتل الشاعر مع خمسة سجناء آخرين في إحدى الغابات بعد تعذيبه، كما سَجّل الكاتب والطبيب روبين سيفاغ الذي شهد مقتله.

أحد أعمال فاروجان الرئيسية "أغنية الخبز"، هو مجموعة من خمسين صفحة من القصائد، يقال إنها صودرت مع اعتقاله وهي لا تزال مخطوطة لم ينهها، ويُقال أيضاً إن استعادتها تمت برشوة. على أي حال نُشرت الأغنية الطويلة بعد وفاته عام 1921، وفيها يحتفي بجمال وبساطة الحياة الزراعية في القرية وبالفلاحين الأرمن في الأناضول.

أكثر من أي شاعر آخر، يعتبر النقاد فاروجان الشاعر الذي نطق باسم آمال الأرمن في بداية القرن العشرين، وحوّلها إلى كلمات، مستخدماً الأساطير والملاحم القديمة والتاريخ الوثني كنقطة انطلاق ورمز لطموحاتهم.

لم تُترجَم أشعار فاروجان كاملة إلى العربية، لكن مجموعة من قصائده ضُمّنت في كتاب المترجم فاروجان كازانجيان الذي صدر في القاهرة بعنوان "مختارات من الشعر الأرمني عبر العصور" (المركز القومي للترجمة)، إلى جانب مختارات أقدم للمترجم مهران ميناسيان صدرت في حلب بعنوان "الأقنعة والمرايا - مختارات من الشعر الأرمني".

المساهمون