داعش والدراما

07 سبتمبر 2014
أنزور في انتظار توظيف داعش درامياً (العربي الجديد)
+ الخط -
تثير التطورّات الدراماتيكية لتمدّد تنظيم "داعش" في العراق وسورية، وما خلّفته من أحداث على الأرض من مذابح وتهجير، مشهداً درامياً واقعياً ببعد تراجيدي، لا نعرف إلى أيّ حدّ يمكن أن يمرّ من دون أن يلتقطه صنّاع الدراما العربية عموماً، والسورية على وجه التحديد، ليوظفوه في مسلسلات الموسم الدرامي 2015.
الإقرار بإمكانية توظيف المشهد "الداعشيّ" درامياً تتجاذبه مسألتان اثنتان، هما: جرأة مقاربة "داعش" في حكاية درامية، وتوقيت هذه المقاربة. الحديث عن جرأة مقاربة الجماعة الإرهابية تستدعيه حالة الترهيب التي رافقت إنتاج مسلسل "الطريق إلى كابول" للمخرج محمد عزيزية عام 2004، والتي أدّت إلى إيقاف عرض العمل الذي يستعرض الأحداث التي مرّت بها أفغانستان منذ الاحتلال السوفييتي لها، مروراً بحكم حركة طالبان والقاعدة فيها، فالغزو الأميركي، من خلال قصّة حبّ تجمع شابّة أفغانية وشاباًّ عربياً، يلتقيان في لندن ويعودان إلى كابول، حيث تواجه الفتاة ضغوطاً من مسؤولين في طالبان أجبروها على ارتداء الخمار ومنعوها من العمل.
بعد عام أنجز المخرج السوري نجدة أنزور مسلسل "الحور العين" (2005)، الذي تناول حادثة تفجير أحد المجمّعات السكنية، الذي تسكنه عائلات تنتمي إلى عدّة دول عربية، في محاكاة لحادثة تفجير مجمع "المحيا" في الرياض، وحاول العمل وقتها تشريح بنية الإرهاب وآلية عمل الإرهابيين ومعتقداتهم. وفي العام نفسه، أي عام 2005، سيقوم كاتب مسلسل "الطريق إلى كابول"، جمال أبو حمدان، بإنجاز مسلسل جديد هو "الطريق الوعر" أسندت مهمّة إخراجه إلى التونسي شوقي الماجري، والعمل سيناقش قضايا الإرهاب من خلال مراسل صحافي قام بتغطية أحداث الحرب في أفغانستان قبيل الغزو الأميركي لها، ويعود إلى مدينته العربية (مدينة افتراضية) حيث تضعه أقداره مع مجموعة إرهابية قادمة من أفغانستان، تعدّ العدّة لتفجير أحد المجمّعات السكنية في هذه المدينة، إلا أنّ هذه المجموعة سرعان ما تقرّر التخلّص من الصحافي باعتباره واحداً من أصوات (الكفر)، فتقوم بتفخيخ سيارته، لكنّ الصحافي ينجو، ليقع ضحية التفجير أبناء صديقه وأمّهم، التي كانت استعارت سيارة الصحافي لنقل أطفالها إلى المدرسة. عبر "الطريق الوعر" يناقش الكاتب أبو حمدان تفاصيل تتعلّق بآليات تفكير الجماعات الإرهابية في العمليات التي يقومون بها، وتداعياتها عليهم وعلى المجتمع، فضلاً عن طبيعة الجوانب السيكولوجية في شخصياتهم.
المخرج نجدة أنزور سيعود بدوره في عام 2006 ليقدّم، ضمن موضوعة "الإرهاب" عينها، مسلسل "المارقون" الذي تألّف من عشر ثلاثيات عالجت قضايا تتعلّق بالإرهاب والتطرّف ونشأة الجماعات الدينية والإسلام السياسي، وقد شارك في تأليف هذه الثلاثيات كتّاب من بلدان عربية عانت من الأعمال الإرهابية. وفي العام نفسه سيقدّم المخرجان، الأردني إياد الخزوز، والسوري رضوان شاهين، مسلسلهما "دعاة على أبواب جهنّم" الذي سيتناول من ملفّ الإرهاب، حكايات العائدين من أفغانستان لينشروا ثقافة (الجهاد) في بلدانهم، بعد أن تعذر عليهم الاندماج في مجتمعاتهم الأصلية.
كشف العمل عن حالة التناقض الصارخ ما بين سماحة الدين الإسلامي وتطرّف دعاوى الجماعات التكفيرية، كما بحث في تمويل هذه الجماعات وسبل مواجهتها. الأعمال الأربعة صبغت المرحلة الدرامية العربية خلال هذه الفترة (2005- 2006) بما يعرف بـ"مسلسلات الإرهاب"، وقد جاءت هذه الأعمال في ظروف مشابهة لأيامنا الحالية، لجهة ارتفاع نشاط الجماعات (الجهادية) المتطرّفة وتمدّدها السرطاني، من خلال عمليات إرهابية في أكثر من مكان. ولعلّ أهمّ ما أنجزته المسلسلات الأربعة عقب عرضها، كان كسر حاجز الخوف والترهيب الذي عرقل مسيرة عرض مسلسل "الطريق إلى كابول"... حيث شهدنا بعدها، على مراحل مختلفة، وحتى وقتنا هذا، معالجات درامية تلفزيونية متعدّدة لقضايا الإرهاب والتطرّف والإسلام السياسي، مع العلم أنّ السينما سبقت التلفزيون بأكثر من عقد من الزمان في تناول هذه القضايا، بينها، على سبيل المثال، ما قدّمه عادل أمام "الإرهاب والكباب"(1992)، و"الإرهابي"(1994)، وما أنجزه يوسف شاهين في " المصير"(1997).. بالعودة إلى رصد ممارسات "داعش" الإرهابية، وإمكانية مقاربتها درامياً، يمكن القول إن الكاتب رافي وهبي في مسلسله "حلاوة الروح" الذي عُرض في الموسم الرمضاني الفائت (2014)، كان قطع نصف المسافة على طريقة معالجة هذه القضية، فقد خُصّصت مساحة لا بأس بها من الحدث الدرامي لحالة التمدّد السرطاني للمتأسلمين في سورية، وقدّم نموذجاً لمقاتلين سابقين في أفغانستان جاؤوا للقتال على الأرض السورية، واستعرض فلسفتهم الجهادية، وفي الموسم الفائت ذاته قدّم المخرج الليث حجو والكاتب ممدوح حمادة مقاربة تراجيكوميدية لـ"داعش" وحالة إرهابها وترهيبها في حلقة من حلقات مسلسل "الحقائب- ضبوا الشناتي"، حين تقتحم جماعة منها حياة العائلة، وتبدأ بإصدار فتاواها، ويصل الحال فيها حد الرغبة بتزويج بنات العائلة للمقاتلين، حتى المتزوجات منهن.. يمكن الارتكاز على مضمون دراما رمضان لعام 2014 السورية في تقديم معالجات، درامية (تراجيدية وكوميدية)، لظاهرة "داعش" المتطرّفة وممارساتها الإرهابية في المنطقة...، وهو الأمر الذي أرجّح ألا يغيب عن دراما 2015 السورية التي تعودنا حرصها على التقاط الحدث الحار في نسيج حكاياتها، لاسيما أنّها تجاوزت بعد أكثر من ثلاث سنوات من انطلاق المظاهرات الشعبية ضدّ النظام السوري (15 مارس/آذار 2011) مسألةَ انتظار انتهاء الأحداث على الأرض لمعالجتها فنّياً. ويكفي أن نشير إلى أنّ أوّل عمل أنجزه السوريون، في هذا السياق، (فوق السقف) كان بعد خمسة أشهر فقط من اندلاع هذه المظاهرات (أغسطس/آب 2011)... من المرجّح أن تتناول الدراما السورية "داعش" قريباً، كونها أحد الموضوعات القليلة التي يُجمع السوريون على رفضها، ولا يحظرون معالجتها درامياً.
دلالات
المساهمون