10 نوفمبر 2024
داعش: لماذا نجحت الرواية الأخرى؟
لم ينشأ إسماعيل عمر مصطفاي، أو الشقيقان إبراهيم وصلاح عبدالسلام، أو حتى من اعتُبر العقل المدبر لأحداث التفجيرات في باريس، الأسبوع الماضي، عبدالحميد أباعود (وقُتل في أثناء مداهمة شقة في ضواحي باريس لاحقاً)، ولا شركاؤهم في تلك التفجيرات، بلال حدفي وسامي أميمور، في مدارس عربية قد تكون تدرّس، كما يرى نفر من المثقفين العرب، التعصب، ولا تشجع التسامح الديني، ولم يتربّوا في أكناف حركات أصولية منذ الصغر!
هم من الجيل الثاني، تقريباً، من المهاجرين من شمال إفريقيا إلى أوروبا، وبعضهم عاش في عائلات فقيرة، يعاني من البطالة، وبعضهم الآخر يعتبر من عائلات الطبقة الوسطى، مثل عبدالحميد أبا عود، لكنّهم جميعاً ترعرعوا ونشأوا في أحياء للجاليات العربية، التي فشلت السلطات الفرنسية والبلجيكية في عملية إدماجها ضمن النظام السياسي الجديد.
من يريد أن يفتش عن أسباب صعود داعش في مناهج التربية، وفي خطب يوم الجمعة، أو في النصوص التراثية، فهو يغمّس خارج الصحن، ويدرس في كتاب آخر غير المطلوب، فهذه النصوص والمناهج والخطب والخطابات ما هي إلا عوامل مساعدة، يوظّفها قادة التنظيم ومنظّروه لتبرير منهجهم ومواقفهم، أو يستعينون بما يناسبهم منها، لكن السبب الجوهري والحقيقي يتمثل في الشروط الواقعية والموضوعية، سواء في العالم العربي والإسلامي، حيث الاستبداد والفساد والفشل المركوب على فشل في التنمية والعدالة والإدماج السياسي والثقافي والاقتصادي للأجيال الصاعدة، أو حتى في حي مولينبيك في بلجيكيا، حيث تصل نسبة البطالة في أوساط الشباب إلى 40%، أو في ضواحي باريس، في الشروط الثقافية، الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية نفسها.
المشكلة أنّ جهود مكافحة الإرهاب، على مختلف المستويات، الدولية أو الإقليمية، أو حتى المحلية، لم تصل بعد إلى هذه القراءة المطلوبة، أو وصلت إليها نظرياً، لكنّها عملياً لا تزال تعتمد على الأساليب الأمنية التقليدية، حتى تلك الأوروبية والغربية. فمنذ صعود هذا التنظيم، والجهود متمركزة على ضربه عسكرياً عبر الجو، أو دعم المليشيات المحلية المناوئة له، مثل الحشد الشعبي والأكراد، وحتى الفصائل السنية الأخرى الضعيفة، ودولياً وإقليمياً التركيز على مكافحة التمويل والملاحقة الأمنية للأفراد المتأثرين به، والتعامل مع العائدين.
بعد التفجيرات في كل من باريس والطائرة الروسية فوق سيناء، أو حتى تفجيرات الضاحية الجنوبية، عاد الحديث إلى مناقشة التقصير الأمني والثغرات وتبادل الاتهام وإلقاء المسؤولية بين الحكومات والدول. لكن، لم يتجاوز سياسيون كثيرون تلك المربعات إلى طرح السؤال الأكثر عمقاً وأهمية: لماذا يستطيع خطاب عدمي، مثل هذا الذي يقدمه الداعشيون، مسكون بالانتقام والدماء والعنف، أن يقفز على كل الدعايات المضادة والماكينة الإعلامية الجبارة والجهود الدولية المكثفة والظروف المعاكسة، فيصل إلى نسبةٍ كبيرة من الشباب المسلم في العالم العربي والإسلامي، بما يتجاوز قدرة أي تنظيم إسلامي، وربما غير إسلامي، سابق؟
ما هي الرواية الأخرى، التي يقدّمها داعش، فتقنع عشرات الآلاف ممن ذهبوا إلى أحضان التنظيم في الرقّة والموصل، وربما أضعافهم في بلدانهم ممن يؤيدون التنظيم، فتهزم بسهولة كل الروايات الرسمية والغربية والعربية؟ ما هي تلك الرواية التي تدفع أعداداً كبيرة من الشباب الخليجيين الأثرياء، أو الفرنسيين، الذين يعيشون في أرقى الدول في العالم، وقد تربوا في المدارس العلمانية، وكذلك الحال في ألمانيا وبلجيكا إلى القبول بوضع حزام ناسف، أو عبوات متفجرة، وإلقاء أنفسهم في عمليات انتحارية تنهي حياتهم.
هل توقفتم عند أعمار مجموعة باريس على الأقل، أولئك الذين قلبوا العالم في ساعات محدودة، أكبرهم عمره 31 عاماً، أما العقل المدبر (أباعود) المفترض، فلا يتجاوز الـ28 عاماً. هذه الأسئلة في تقديري التي تحتاج إلى تفكير ونقاش عميق، وأن يتم ربطها بالجهود الأمنية الدولية والإقليمية غير الناجعة، إلى الآن، في مواجهة صعود هذا التنظيم، أو الاتجاه الأيديولوجي المؤيد له، في دول كثيرة.
ثمّة فجوة، اليوم، بين ما طوّره هذا التنظيم وأتباعه من أدوات وخطاب ومفاهيم جديدة، اخترقت شرائح اجتماعية في الشرق والغرب، والنظريات الأمنية المتّبعة التي لم تصل بعد إلى ملاحقة الجيل الداعشي الجديد في أفكاره، وقراءة كيف يفكّرون؟ وما هي الخطوات الحالية والمقبلة؟ وكيف يمكن تجاوز هذا القطار للعمل على إيقافه، بدلاً من اللحاق الفاشل به دائماً؟.
من المهم الإجابة عن سؤال: كيف استطاع عبد الحميد أباعود العودة إلى بلجيكا، وتجاوز المطارات والتفتيش الأمني، على الرغم من أنّه مطلوب؟ أو معرفة لماذا لم تقرأ التحذيرات الأميركية والغربية بحذر واهتمام من الأجهزة الأمنية الأوروبية؟ أو كيف حدث الاختراق الأمني في مطار شرم الشيخ، فأدى إلى إسقاط الطائرة الروسية؟. لكن، قبل ذلك من المهم أكثر طرح السؤال: لماذا أصبح عبد الحميد أباعود وصلاح وإبراهيم وحسناء بولحسن، وجميعهم لم يكونوا قبل أعوام متدينين، أتباعاً مخلصين لداعش؟ هل هي فقط الرسالة الإعلامية عبر مواقع الجهاديين أم اللغة الفرنسية المسستخدمة؟ أم هي الشروط التي صنعت منهم مرشّحين جاهزين لهذا التحول التراجيدي الجذري؟
في الأردن، مثلاً، من المفترض أن تطرح الأسئلة نفسها عن حالة النقيب أنور السعد، الذي قتل المدربين الأميركيين في مركز تدريب للشرطة في الموقر، وهو الأمر الذي حاولت الحكومة الأردنية فصله تماماً عن موضوع داعش، على الرغم من أنّ المؤشرات تظهر بوضوح تأثره، في الآونة الأخيرة، بأفكار التيار المؤيد لداعش، حتى وإن لم يكن قام بالعمل جرّاء اتصال أو تخطيط مركزي مع التنظيم، فإنّه نفّذه التزاماً بأجندتهم وخطابهم، وذكره العدد الأخير لمجلة دابق، بوصفه ذئباً منفرداً.
بالعودة إلى المربع الأول في موضوع الحرب على الإرهاب، فإنّ السؤال المطروح: بعد أكثر من عام على إعلان الحرب على داعش، وأكثر من 14 عاماً على أحداث "11 سبتمبر" هو: ما الذي حدث خطأ في هذه الاستراتيجيات والمواجهات، طالما أنّ الفكر ومؤيديه في ازدياد وانتشار، وأعدادهم تتضاعف في العالم؟ الجواب: يتم التعامل مع المخرجات، لا مع المدخلات، مع النتائج، وليس مع الشروط، فلو فرضنا جدلاً أن الضربات الجوية أدت إلى محو الرقة وآلاف الداعشيين من الوجود في سورية والعراق، كما يطالب، اليوم، خبراء أمنيون غربيون، فهل سينهي ذلك المشكلة، أم سيؤدي إلى تعقيدها، وإخراج لنا، من رحم هذه الظروف، ما هو أكثر قسوة وحدّة وعدمية من الثقافة الداعشية؟
هم من الجيل الثاني، تقريباً، من المهاجرين من شمال إفريقيا إلى أوروبا، وبعضهم عاش في عائلات فقيرة، يعاني من البطالة، وبعضهم الآخر يعتبر من عائلات الطبقة الوسطى، مثل عبدالحميد أبا عود، لكنّهم جميعاً ترعرعوا ونشأوا في أحياء للجاليات العربية، التي فشلت السلطات الفرنسية والبلجيكية في عملية إدماجها ضمن النظام السياسي الجديد.
من يريد أن يفتش عن أسباب صعود داعش في مناهج التربية، وفي خطب يوم الجمعة، أو في النصوص التراثية، فهو يغمّس خارج الصحن، ويدرس في كتاب آخر غير المطلوب، فهذه النصوص والمناهج والخطب والخطابات ما هي إلا عوامل مساعدة، يوظّفها قادة التنظيم ومنظّروه لتبرير منهجهم ومواقفهم، أو يستعينون بما يناسبهم منها، لكن السبب الجوهري والحقيقي يتمثل في الشروط الواقعية والموضوعية، سواء في العالم العربي والإسلامي، حيث الاستبداد والفساد والفشل المركوب على فشل في التنمية والعدالة والإدماج السياسي والثقافي والاقتصادي للأجيال الصاعدة، أو حتى في حي مولينبيك في بلجيكيا، حيث تصل نسبة البطالة في أوساط الشباب إلى 40%، أو في ضواحي باريس، في الشروط الثقافية، الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية نفسها.
المشكلة أنّ جهود مكافحة الإرهاب، على مختلف المستويات، الدولية أو الإقليمية، أو حتى المحلية، لم تصل بعد إلى هذه القراءة المطلوبة، أو وصلت إليها نظرياً، لكنّها عملياً لا تزال تعتمد على الأساليب الأمنية التقليدية، حتى تلك الأوروبية والغربية. فمنذ صعود هذا التنظيم، والجهود متمركزة على ضربه عسكرياً عبر الجو، أو دعم المليشيات المحلية المناوئة له، مثل الحشد الشعبي والأكراد، وحتى الفصائل السنية الأخرى الضعيفة، ودولياً وإقليمياً التركيز على مكافحة التمويل والملاحقة الأمنية للأفراد المتأثرين به، والتعامل مع العائدين.
بعد التفجيرات في كل من باريس والطائرة الروسية فوق سيناء، أو حتى تفجيرات الضاحية الجنوبية، عاد الحديث إلى مناقشة التقصير الأمني والثغرات وتبادل الاتهام وإلقاء المسؤولية بين الحكومات والدول. لكن، لم يتجاوز سياسيون كثيرون تلك المربعات إلى طرح السؤال الأكثر عمقاً وأهمية: لماذا يستطيع خطاب عدمي، مثل هذا الذي يقدمه الداعشيون، مسكون بالانتقام والدماء والعنف، أن يقفز على كل الدعايات المضادة والماكينة الإعلامية الجبارة والجهود الدولية المكثفة والظروف المعاكسة، فيصل إلى نسبةٍ كبيرة من الشباب المسلم في العالم العربي والإسلامي، بما يتجاوز قدرة أي تنظيم إسلامي، وربما غير إسلامي، سابق؟
ما هي الرواية الأخرى، التي يقدّمها داعش، فتقنع عشرات الآلاف ممن ذهبوا إلى أحضان التنظيم في الرقّة والموصل، وربما أضعافهم في بلدانهم ممن يؤيدون التنظيم، فتهزم بسهولة كل الروايات الرسمية والغربية والعربية؟ ما هي تلك الرواية التي تدفع أعداداً كبيرة من الشباب الخليجيين الأثرياء، أو الفرنسيين، الذين يعيشون في أرقى الدول في العالم، وقد تربوا في المدارس العلمانية، وكذلك الحال في ألمانيا وبلجيكا إلى القبول بوضع حزام ناسف، أو عبوات متفجرة، وإلقاء أنفسهم في عمليات انتحارية تنهي حياتهم.
هل توقفتم عند أعمار مجموعة باريس على الأقل، أولئك الذين قلبوا العالم في ساعات محدودة، أكبرهم عمره 31 عاماً، أما العقل المدبر (أباعود) المفترض، فلا يتجاوز الـ28 عاماً. هذه الأسئلة في تقديري التي تحتاج إلى تفكير ونقاش عميق، وأن يتم ربطها بالجهود الأمنية الدولية والإقليمية غير الناجعة، إلى الآن، في مواجهة صعود هذا التنظيم، أو الاتجاه الأيديولوجي المؤيد له، في دول كثيرة.
ثمّة فجوة، اليوم، بين ما طوّره هذا التنظيم وأتباعه من أدوات وخطاب ومفاهيم جديدة، اخترقت شرائح اجتماعية في الشرق والغرب، والنظريات الأمنية المتّبعة التي لم تصل بعد إلى ملاحقة الجيل الداعشي الجديد في أفكاره، وقراءة كيف يفكّرون؟ وما هي الخطوات الحالية والمقبلة؟ وكيف يمكن تجاوز هذا القطار للعمل على إيقافه، بدلاً من اللحاق الفاشل به دائماً؟.
من المهم الإجابة عن سؤال: كيف استطاع عبد الحميد أباعود العودة إلى بلجيكا، وتجاوز المطارات والتفتيش الأمني، على الرغم من أنّه مطلوب؟ أو معرفة لماذا لم تقرأ التحذيرات الأميركية والغربية بحذر واهتمام من الأجهزة الأمنية الأوروبية؟ أو كيف حدث الاختراق الأمني في مطار شرم الشيخ، فأدى إلى إسقاط الطائرة الروسية؟. لكن، قبل ذلك من المهم أكثر طرح السؤال: لماذا أصبح عبد الحميد أباعود وصلاح وإبراهيم وحسناء بولحسن، وجميعهم لم يكونوا قبل أعوام متدينين، أتباعاً مخلصين لداعش؟ هل هي فقط الرسالة الإعلامية عبر مواقع الجهاديين أم اللغة الفرنسية المسستخدمة؟ أم هي الشروط التي صنعت منهم مرشّحين جاهزين لهذا التحول التراجيدي الجذري؟
في الأردن، مثلاً، من المفترض أن تطرح الأسئلة نفسها عن حالة النقيب أنور السعد، الذي قتل المدربين الأميركيين في مركز تدريب للشرطة في الموقر، وهو الأمر الذي حاولت الحكومة الأردنية فصله تماماً عن موضوع داعش، على الرغم من أنّ المؤشرات تظهر بوضوح تأثره، في الآونة الأخيرة، بأفكار التيار المؤيد لداعش، حتى وإن لم يكن قام بالعمل جرّاء اتصال أو تخطيط مركزي مع التنظيم، فإنّه نفّذه التزاماً بأجندتهم وخطابهم، وذكره العدد الأخير لمجلة دابق، بوصفه ذئباً منفرداً.
بالعودة إلى المربع الأول في موضوع الحرب على الإرهاب، فإنّ السؤال المطروح: بعد أكثر من عام على إعلان الحرب على داعش، وأكثر من 14 عاماً على أحداث "11 سبتمبر" هو: ما الذي حدث خطأ في هذه الاستراتيجيات والمواجهات، طالما أنّ الفكر ومؤيديه في ازدياد وانتشار، وأعدادهم تتضاعف في العالم؟ الجواب: يتم التعامل مع المخرجات، لا مع المدخلات، مع النتائج، وليس مع الشروط، فلو فرضنا جدلاً أن الضربات الجوية أدت إلى محو الرقة وآلاف الداعشيين من الوجود في سورية والعراق، كما يطالب، اليوم، خبراء أمنيون غربيون، فهل سينهي ذلك المشكلة، أم سيؤدي إلى تعقيدها، وإخراج لنا، من رحم هذه الظروف، ما هو أكثر قسوة وحدّة وعدمية من الثقافة الداعشية؟