داعش في "الشرق الأوسط الجديد"

14 يونيو 2015
+ الخط -
أرادت الولايات المتحدة أن تنقل تجربة أوروبا حول الإصلاح الديني في العصور الوسطى إلى منطقة الشرق الأوسط، بحجة مواجهة الإرهاب العالمي الذي ساهمت الولايات المتحدة نفسها بإنتاجه في المنطقة بعد أحداث "11 سبتمبر"، بغزوها أفغانستان والعراق. 
ويتساءل كثيرون هل الإرهاب إشكالية عالمية في الأمن أم في المفاهيم؟ أجاب البابا عندما صرح (العالم يشهد مناخ حرب عالمية ثالثة، يؤججه دعاة الصدام بين الحضارات) لمجرد فقط نقض اتفاقية سايكس بيكو التي مضى عليها أكثر من مائة عام، لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتواءم مع متطلبات مرحلة جديدة من الهيمنة ما بعد الحرب الباردة، استباقا لمرحلة مستقبلية في صراع على الشرق الأوسط، مع دول صاعدة مثل الصين.
تجربة أوروبا في صياغة حركة الإصلاح الديني التي كانت بداية تفسخ في وسط وغرب أوروبا إلى مذاهب مسيحية مختلفة كثيراً، منها من رفضت المذهب الكاثوليكي وقيادة الكنيسة في روما، كما أن حركة مارتن لوثر أثرت في فتح المجال أمام ظهور مزيد من حركات الإصلاح المسيحي التي استمرت حتى يومنا، وأثرت في النسيج السياسي والاجتماعي، وحتى الاقتصادي. وقد شجع مارتن لوثر متحفظين ورافضين رؤية الكنيسة الضيقة والمتشددة في الديانة المسيحية في رفض ممارسات الكنيسة في بيع صكوك الغفران، باعتبار أن الله هو غافر الذنوب، وليس للكنيسة أي دور في هذا الإطار، حيث تركزت السلطة في أيدي البابا والسلك الكنسي. اتخذت الحركة الإصلاحية مقرها في سويسرا المنقسمة إلى ثلاث عشرة مقاطعة، بلا سلطة مركزية قوية، ما منحها هامشا من الحركة والحرية، مقارنة بدول أوروبية أخرى لها سلطة مركزية قوية، مرتبطة مباشرة بسلطان الكنيسة في روما.
ووجدت الولايات المتحدة مبتغاها في ثورات الربيع العربي التي ساهمت في انهيار دول منقسمة بلا سلطة مركزية، كما في العراق بعد الغزو الأميركي، وفي سورية وليبيا نتيجة ثورات الربيع العربي.
ولمجرد أن تنقلب على السعودية ومصر اللتين تشكلان محوري ارتكاز للعالمين، العربي والإسلامي، ارتكبت الولايات المتحدة خطأ الخلط بين مسيرتي التجربة السياسية المسيحية والإسلامية، ومحاولة فرض بعض مسلمات التجربة المسيحية في الغرب على النموذج الإسلامي، لأن المزج الديني بالسياسي انتهى، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما استمر إضفاء الشرعية الدينية على الشرعية السياسية، ولم تكن موجودة أو متشابهة مع الحالة الكاثوليكية.
وكانت أميركا تعتقد أن إيران قادرة على أن تقود تلك التجربة، واستمرت، حتى بعدما اكتشفت خطأ تلك التجربة، قد يكون هناك هدف مخفي من أجل تصوير الدين الإسلامي بأنه دين إرهابي، ليساهم ذلك في مزيد من الخوف من الإسلام، حتى يمنع دخول مزيد من المسيحيين الرافضين للكنيسة في هذا الدين.

وأربكت السعودية خطط أميركا، بعدما دعمت مصر ضد جماعة الإخوان المسلمين الذين كانت تعول عليهم واشنطن في محاربة الإرهاب، ما جعلها تهيئ بيئة مناسبة، ينمو فيها داعش، وتركت تخوض حروبا مجانية من دون أي قتال، وكأنه هناك توافق أميركي إيراني، خصوصا عندما هرب 30 ألف جندي عراقي في الموصل، في وجه ألف مقاتل من داعش، وتسليمه كل أنواع الأسلحة الأميركية الخفيفة والثقيلة، وتتكرر العملية في الرمادي، عندما فر عشرة آلاف جندي عراقي أسرع من ورق صندوق ورقي تحت المطر أمام فقط 400 مقاتل من داعش، حتى أصبح التنظيم يمتلك احتياطيات كافية من الأسلحة، لمواصلة حربه في سورية والعراق فترة طويلة، كما تدّعي الولايات المتحدة. وأصبحت واشنطن تكرر أن تنظيم داعش متآمر ولم تر مثله، بينما ثبتت هزيمة داعش في مدينة عين العرب، واستطاع الأكراد بقيادة مسعود البرزاني في العراق مواجهة داعش. على خلاف ذلك، فشل الجيش العراقي، وكأنه أصبح غير قادر على مواجهة داعش، حتى يتدخل الحشد الشعبي لمواجهة داعش، وممارسة تطهير عرقي، وفرز طائفي من أجل استمرار تهميش السنة في العراق.
تحول العراق وسورية إلى حرب طائفية ومذهبية، وهي مؤامرة لرسم حدود لأنظمة، ودول طائفية ومذهبية وعرقية تحل محل الحدود الاستعمارية التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو في العراق وسورية، وهو ما ترفض السعودية تطبيقه في اليمن، وتصر على تطبيق الدولة الاتحادية الفيدرالية التي تتكون من ستة أقاليم. وفي البال أن اتفاقية سايكس بيكو جزأت المنطقة الجغرافية إلى أقاليم سياسية، بينما يقسم مشروع الشرق الأوسط الجديد الإقليم السياسي إلى مقاطعات، بلا سلطة مركزية قوية، كما في العراق حالياً بالتعاون مع إيران في تنفيذ هذا المشروع، على الرغم من وجود صراع خفي بين إيران وأميركا في أن يستثمر أحدهما بداعش في السيطرة على الأرض، وفي أن يستأثر أحدهما بالمنطقة دون الآخر. لذلك، تريد الولايات المتحدة توازناً بين الحشد الشعبي والعشائر السنية في العراق، يمكن أن يستثمره العرب في منع تنفيذ هذا المشروع، وهل يقبل العرب بتنفيذ هذا المشروع في سورية الذي فشل في مصر وتونس، وستفشله السعودية في اليمن؟
63D8F50C-5629-4956-A41C-A8CD8B0D1F1E
عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

كاتب وباحث سعودي، أستاذ مشارك في قسم الجغرافيا في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة أم القرى في مكة المكرمة.