داعش.. سقطت الثمرة وبقيت الشجرة

12 يوليو 2017
+ الخط -
أسدل الستار، أول من أمس، على دولة البغدادي في العراق التي لم تعمر سوى ثلاث سنوات، نشرت خلالها الرعب في كل أنحاء العالم، وامتدت عملياتها إلى القارات الخمس للكوكب، في صورة حروبٍ غير تقليدية، تعتمد على عمليات إرهابية، وذئابٍ منفردة، ومليشيات تبسط سلطتها على جيوب تضعف فيها هيبة الدول الفاشلة أو شبه الفاشلة.. يوم الاثنين الماضي، وقف رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في وسط الموصل بزيٍّ عسكريٍّ، يعلن للعالم نهاية الدولة الداعشية التي اقتطعت مساحةً شاسعة من العراق وسورية، وأقامت فوقها نظاما دمويا، صدّر الرعب إلى كل البيوت العربية وغير العربية، محاولا أن يصعد بالسلفية الجهادية إلى أقصى تطرّفها ودمويتها وطائفيتها، لكي يقسم العالم إلى فسطاطين، مؤمن وكافر، سنّي وشيعي، مسلم ومسيحي، مستثمرا حالة الفوضى التي تضرب الشرق الأوسط، وجزءا من شمال أفريقيا، حيث دخلت العراق وسورية واليمن وليبيا والصومال إلى خانة الدول الفاشلة، التي خسرت فيها الدولة احتكار العنف المشروع، وفقدت القدرة على فرض الأمن والاستقرار على جغرافيتها، وفشلت في الوفاء بالتزاماتها إزاء شعوبها، وإزاء مجتمعات الدول الأخرى ...
"داعش" مثل الشاعر تماما، ابنة بيئتها، نبتة مسمومة طلعت من أرض محتلة، ومجتمع منقسم، وثقافة مجروحة، ودولة طائفية، وقوى إقليمية متصارعة، ونظام عالمي بلا نظام ولا قانون ولا شرعية. "داعش" نمت وترعرعت وسط شبابٍ يائس شبه متعلم، يئس من فرص العيش الكريم في الدنيا، فراح يبحث عن الجنة في الحياة الأخرى، غير مدرك لا قيم دينه، ولا منطق عصره وسنن ربه في هذه الأرض ... هذه هي الحاضنة الكبرى لتنظيم داعش الذي تحول إلى شبه دولة، شغلت العالم ثلاث سنوات، واستغرق اجتثاثها من فوق الأرض أنهارا من الدماء، ومليارات من السلاح، وضياع فرص وإمكانات ومقدّرات عربية، كان يمكن أن تصرف في البناء لا في الهدم، في الإعمار لا في الخراب..
انتهى فيلم الرايات السود المرعب، لكن المخرج لم يمت، والبطل لم ينتحر، والنص لم يستهلك ... مادامت الديموقراطية ليست عملةً مقبولة في الشرق الأوسط، والتنمية ليست على جدول الأعمال، والتعايش بين الديانات والأعراق والطوائف والمذاهب درسٌ لا يتعلمه التلاميذ في المدارس، والتحرّر والتكتل وحماية الأمن القومي ليس من بين هموم الحكام، فإن البيئة هذه قادرة على تفريخ دواعش جدد، ورايات سود أخرى...
ليست الداعشية نبتة حائطية. وليس الدواعش مخلوقاتٍ نزلت من كوكب آخر، إنهم أبناء الوضع العربي المتردي، وأبناء النكسة القديمة والجديدة، وأبناء الثقافة الانقسامية التي تستدعي أعطاب الماضي لبناء الحاضر، وتستورد أسوأ ما في البشر، لتدمير نفسها وأعدائها. لابد من وقفة صارمة مع الذات العربية، حكاما ومحكومين، نخبا وشعوبا، فكرا وسياسة، لاستخلاص العبرة والدرس من سيرة تنظيم القاعدة أولا، وسيرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ثانيا. وقبلهما سيرة حكام يقودون شعوبهم إلى المحرقة بالحديد والنار والتبعية للخارج. كان إمبراطور فرنسا الأسطوري نابليون يقول"لا نحكم شعبا إلا إذا كنا نقوده نحو المستقبل".. والعكس صحيح..
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.