ترجع أهمية هذه التحفة إلى جمالها الذي يخلب الأبصار، وروعة بنيانها، وإتقان زخارفها. تلك التحفة القديمة هي دار الكريتلية أو بيت الكريتلية، الذي يقع في ميدان جامع أحمد بن طولون في القاهرة.
أما الاسم الغريب لهذا البيت، فلا يرجع إلى اسم صاحبه أو المهندس الذي شيّده، كما يدرج عادة في بيوت أثرية كهذه، ولكنه يعود إلى آخر امرأة كانت تقطن فيه. فقد كانت عائلتها من جزيرة كريت، وكانت تلقّب بمسقط رأسها.
تاريخ البيت
يُعَدّ بيت الكريتلية من أجمل الدور السكنية الأثرية في القاهرة وأقدمها، حيث بناه محمد بن الحاج سالم الجزار، أحد أعيان القاهرة، في سنة 1631ميلادية.
أمام ذلك البيت يوجد منزل أثري آخر، لا يقلّ عنه جمالاً، وإن كان أكثر قِدماً، حيث شيّد سنة 1540 ميلادية، أي عقب دخول العثمانيين القاهرة بثلاثة وعشرين عاماً، وهو ينسب إلى امرأة من سلالة صاحب دار الكريتلية، تدعى آمنة بنت سالم. وقد قام ببنائه المعلم عبد القادر الحداد. ويوجد دهليز يفصل بين هذين البيتين. وتذكر المصادر التاريخية أن آمنة بنت سالم قامت بشراء المنزل الآخر، وجمعت البيتين ببعضهما بعضاً، من خلال إنشاء قنطرة علوية (ساباط)، بحيث يمكن العبور خلالها من أحد المنزلين إلى الآخر. وبسبب ذلك جرى العرف على تسمية المنزلين معاً باسم "دار الكريتلية".
يضمّ المنزلان معاً سبعاً وعشرين غرفة، وتتوسّطهما حديقة داخلية مربّعة الشكل، تبدو واحة خضراء خلابة وسط المباني والأحجار.
عمارة فريدة
حين يلج المرء الباب الرئيسي لدار الكريتلية يجد أمامه ما يعرف بالمدخل المنكسر، وهو عبارة عن ممرّ يتّجه إلى اليسار، بحيث لا يرى من فيه أو خارجه أهل المنزل. وكان استخدام ذلك النوع من المداخل شائعاً في عمارة منازل العصرين المملوكي والعثماني، وذلك لحفظ حرمة الدار وأهله من عيون المتطفّلين.
ينتهي الممرّ إلى قاعة الرجال الشتوية التي تطل على حديقة البيت، والتي تحتفظ أرضيتها بسجاجيدها الشرقية بديعة الألوان. وفي القاعة مجموعة من الأرائك والمناضد الخشبية المطعمة بالأرابيسك. ومن السقف تتدلّى الفوانيس ذات الزخارف الجميلة. وتطلّ القاعة على ما يعرف بالصُّفَّة أي صحن الدار. وهي عبارة عن بَهْو واسع عالي السَّقف، تتوسطه فسقية من الرخام الأبيض النقي.
اقرأ أيضاً: مكتبة الإسكندرية.. بانوراما حضارية مصرية باتساع العالم
ويمثل هذا البهو رئة المنزل، فكافة الطوابق والقاعات الموجودة بالدار، خصوصا الحرملك، تنفتح عليه بدلاً من الانفتاح على الخارج، مما يحفظ لساكني البيت حرمتهم، فضلاً عن أنّ الانفتاح على الداخل يقي أهل الدار من التعرّض للعواصف الترابية والأمطار، كما أنّه يجعل الهواء في الحجرات والقاعات منعشاً لطيفاً، وتحديداً إذا اختلط برذاذ الماء الخارج من الفسقية. ويحيط بالفسقية حوض من الرخام الملوّن، الذي يعكس زرقة السماء الصافية نهاراً حين يمتلئ بالماء، ويتلألأ فيه وجه القمر ليلاً.
وفي الجانب الآخر من الطابق الأرضي، توجد قاعة الحريم، ولها باب خارجي يطلّ على حديقة المنزل كي تستقبل صاحبة البيت ضيفاتها، وهي غرفة مليئة بالتحف والشمعدانات اللامعة والأراجيل.
وإلى جانب تلك القاعة، توجد غرفة أخرى أكثر ثراء من الأولى، حيث ينتشر فيها الأثاث الوثير، وهي كانت مخصّصة لربّة المنزل وقريباتها. وفي نهاية القاعة، يوجد سلّم خشبي دقيق التكوين يصل إلى الحجرات العلوية.
وبمجرد صعود السلم من الطابق الأرضي إلى الطابق الأول، تجد غرفة القراءة، وهي محاطة بمقصورة خشبية، وفي داخلها أرفف لحفظ الكتب، ومكتب صغير ومنضدتان، والغرفة مزينة بقطع المرايا الملوّنة. وبجوار المشربية جلسة هادئة تتيح للقارئ الاستلقاء مستنداً إلى الوسائد المكسوّة بالقطيفة الناعمة. وإلى اليسار من هذه الغرفة توجد غرفة للكتابة، فيها سجاجيد إيرانية معلّقة على الحائط، متميّزة بمنمنماتها الجميلة.
إيوان الدار
أهمّ ما يعثر عليه زائر دار الكريتلية في الطابق الأوّل هو "المقعد"، وهو إيوان فسيح ينفتح على صحن الدار. ويتوزّع على جانبيه دواليب حائطية مزخرفة بزخارف نباتية توضع فيها المشغولات الزجاجية. ويواجه المقعد الجهة الشمالية ليتلقّى الهواء البارد في الصيف. أما السقف فهو من براطيم خشبية مزخرفة بزخارف نباتية وهندسية مذهّبة. والبراطيم جمع بُرْطوم، وهو عبارة عن خشبة غليظة يُدعم بها البيت ويُسقف.
ومن المقعد ندلف إلى السلاملك، وهي قاعة الاستقبال الكبرى الخاصّة بالرجال. وقد فرشت هذه القاعة بوسائد وثيرة مكسوة بالجوخ المنقوش. وينقسم السلاملك إلى ثلاثة أجزاء. فهناك إيوانان موزّعان على جانبي القاعة، يحصران بينهما "درقاعة" في الوسط. والدرقاعة هي الردهة التي يتمّ من خلالها الدخول إلى غرف البيت، والتي تحفظ لأهل المنزل خصوصيتهم، فلا يطّلع أحد على عورات البيت. وهي تعريب لكلمة (درکاه) الفارسیة، المؤلفة من "در" بمعنى باب، و"كاه" بمعنى: "مكان".
ويحتوي كلّ إيوان على شبّاك كبير ومشربيات جميلة. ويطلّ أحد هذين الإيوانين على الواجهة الشرقية، في حين يطلّ الآخر على فناء الدار. وفي الإيوان الأخير سقف غنيّ بالزخارف الجميلة، وفيه إفريز مكتوب عليه أبيات من قصيدة البردة للبوصيري.
وفي الجانب الآخر من هذا الطابق توجد الحرملك (قاعة الحريم). وهي قاعة ذات سلّم منفصل تماماً. وتتميّز الحرملك بالمشربيات الجميلة والمنمّقة، التي تضفي نوعاً من البهجة والصفاء على قاعة الحريم، حيث يتسلّل من فتحاتها الضوء الصافي والهواء العليل. كما أنّ تلك المشربيات تفيد في كسر حالة الملل التي قد تعتري حريم المنزل، حيث يتابعن من ورائها كلّ ما يدور في صحن البيت أو في الحارات المحيطة به، من دون أن تنكشف وجوههن على أحد من المارة الغرباء. أما أغرب غرف المنزل فهي "حجرة الولادة"، ويوجد فيها عدد من المقاعد التي صمّمت بطريقة تسهّل عملية الولادة، وفي نهايتها فراش تستريح فيه المرأة بعد انتهاء عملية الوضع. أما الطابق الأعلى فهو طابق الضيوف، مخصّص للزوّار.
ولعل أهمّ ما يميز بيت الكريتلية هو "السبيل" الذي ألحق به لسقاية الناس. وهو يطلّ على الخارج بشباكين لمناولة الماء. ومن هذين الشباكين كان المزملاتي (خادم السبيل) يعطي الماء لمن يطلبه، حيث يغرف الماء من بئر عميقة تتوسط حجرة السبيل.
اقرأ أيضاً: ساحات الحمام: فسحة سكينة في قلب الصخب
أما بيت آمنة بنت سالم، فيشتمل على قاعة كبيرة ذات إيوانين، بينهما ردهة. وتوجد القاعة الكبرى في الطابق العلوي.
متحف جاير أندرسون
من تدابير القدر أنّ جاير أندرسون Gayer Anderson، الذي كان ضابطاً في الجيش الإنجليزي، وكان مولعاً بالآثار الإسلامية، تقدّم في عام 1935 بطلب إلى لجنة حفظ الآثار العربية، لمنحه حقّ الإقامة في بيتي الكريتلية وآمنة بنت سالم، بشرط أن يقوم بتأثيثهما على الطراز العربي الإسلامي، ويعرض فيهما مجموعته الأثرية النفيسة من المقتنيات الأثرية، على أن يصبح الأثاث ومجموعة الآثار ملكاً للأمّة المصرية بعد وفاته أو حين يغادر مصر نهائياً. ولما وافقت اللجنة على عرضه، أنفق أموالاً طائلة على شراء الأثاث والتحف، وتمكّن من جمع العديد من القطع الفنية التي تنتمي إلى عصور إسلامية مختلفة وأماكن متفرّقة، وزيّن بها البيتين.
وفي عام 1942 اشتدّ بأندرسون المرض، فرحل عن مصر، وحُوِّل البيتان إلى متحف حمل اسمه. وبقي البيتان ليصبحا من أبدع الأمثلة القائمة على طراز العمارة العثمانية، وليؤكدا خطأ بعض المؤرخين حول أنّ السلطان سليم الأوّل، بعد فتح مصر، جمع أكفأ الحرفيين والصناع وأكبر العلماء والتجار ونقلهم منها إلى الأستانة. فلو كان هذا القول صحيحاً لما شُيِّد بيت الكريتلية بهذا الجمال والعظمة والإبداع في غياب هؤلاء جميعاً.
وختاماً، فإن جمال هذا المتحف جذب الكثيرين من صناع السينما، ليتخذوا منه مكاناً لتصوير مشاهد من أفلامهم، مثل فيلم جيمس بوند الموسوم بـ "الجاسوس الذي أحبني"، والفيلم المصري "شهد الملكة".
أما الاسم الغريب لهذا البيت، فلا يرجع إلى اسم صاحبه أو المهندس الذي شيّده، كما يدرج عادة في بيوت أثرية كهذه، ولكنه يعود إلى آخر امرأة كانت تقطن فيه. فقد كانت عائلتها من جزيرة كريت، وكانت تلقّب بمسقط رأسها.
تاريخ البيت
يُعَدّ بيت الكريتلية من أجمل الدور السكنية الأثرية في القاهرة وأقدمها، حيث بناه محمد بن الحاج سالم الجزار، أحد أعيان القاهرة، في سنة 1631ميلادية.
أمام ذلك البيت يوجد منزل أثري آخر، لا يقلّ عنه جمالاً، وإن كان أكثر قِدماً، حيث شيّد سنة 1540 ميلادية، أي عقب دخول العثمانيين القاهرة بثلاثة وعشرين عاماً، وهو ينسب إلى امرأة من سلالة صاحب دار الكريتلية، تدعى آمنة بنت سالم. وقد قام ببنائه المعلم عبد القادر الحداد. ويوجد دهليز يفصل بين هذين البيتين. وتذكر المصادر التاريخية أن آمنة بنت سالم قامت بشراء المنزل الآخر، وجمعت البيتين ببعضهما بعضاً، من خلال إنشاء قنطرة علوية (ساباط)، بحيث يمكن العبور خلالها من أحد المنزلين إلى الآخر. وبسبب ذلك جرى العرف على تسمية المنزلين معاً باسم "دار الكريتلية".
يضمّ المنزلان معاً سبعاً وعشرين غرفة، وتتوسّطهما حديقة داخلية مربّعة الشكل، تبدو واحة خضراء خلابة وسط المباني والأحجار.
عمارة فريدة
حين يلج المرء الباب الرئيسي لدار الكريتلية يجد أمامه ما يعرف بالمدخل المنكسر، وهو عبارة عن ممرّ يتّجه إلى اليسار، بحيث لا يرى من فيه أو خارجه أهل المنزل. وكان استخدام ذلك النوع من المداخل شائعاً في عمارة منازل العصرين المملوكي والعثماني، وذلك لحفظ حرمة الدار وأهله من عيون المتطفّلين.
ينتهي الممرّ إلى قاعة الرجال الشتوية التي تطل على حديقة البيت، والتي تحتفظ أرضيتها بسجاجيدها الشرقية بديعة الألوان. وفي القاعة مجموعة من الأرائك والمناضد الخشبية المطعمة بالأرابيسك. ومن السقف تتدلّى الفوانيس ذات الزخارف الجميلة. وتطلّ القاعة على ما يعرف بالصُّفَّة أي صحن الدار. وهي عبارة عن بَهْو واسع عالي السَّقف، تتوسطه فسقية من الرخام الأبيض النقي.
اقرأ أيضاً: مكتبة الإسكندرية.. بانوراما حضارية مصرية باتساع العالم
ويمثل هذا البهو رئة المنزل، فكافة الطوابق والقاعات الموجودة بالدار، خصوصا الحرملك، تنفتح عليه بدلاً من الانفتاح على الخارج، مما يحفظ لساكني البيت حرمتهم، فضلاً عن أنّ الانفتاح على الداخل يقي أهل الدار من التعرّض للعواصف الترابية والأمطار، كما أنّه يجعل الهواء في الحجرات والقاعات منعشاً لطيفاً، وتحديداً إذا اختلط برذاذ الماء الخارج من الفسقية. ويحيط بالفسقية حوض من الرخام الملوّن، الذي يعكس زرقة السماء الصافية نهاراً حين يمتلئ بالماء، ويتلألأ فيه وجه القمر ليلاً.
وفي الجانب الآخر من الطابق الأرضي، توجد قاعة الحريم، ولها باب خارجي يطلّ على حديقة المنزل كي تستقبل صاحبة البيت ضيفاتها، وهي غرفة مليئة بالتحف والشمعدانات اللامعة والأراجيل.
وإلى جانب تلك القاعة، توجد غرفة أخرى أكثر ثراء من الأولى، حيث ينتشر فيها الأثاث الوثير، وهي كانت مخصّصة لربّة المنزل وقريباتها. وفي نهاية القاعة، يوجد سلّم خشبي دقيق التكوين يصل إلى الحجرات العلوية.
وبمجرد صعود السلم من الطابق الأرضي إلى الطابق الأول، تجد غرفة القراءة، وهي محاطة بمقصورة خشبية، وفي داخلها أرفف لحفظ الكتب، ومكتب صغير ومنضدتان، والغرفة مزينة بقطع المرايا الملوّنة. وبجوار المشربية جلسة هادئة تتيح للقارئ الاستلقاء مستنداً إلى الوسائد المكسوّة بالقطيفة الناعمة. وإلى اليسار من هذه الغرفة توجد غرفة للكتابة، فيها سجاجيد إيرانية معلّقة على الحائط، متميّزة بمنمنماتها الجميلة.
إيوان الدار
أهمّ ما يعثر عليه زائر دار الكريتلية في الطابق الأوّل هو "المقعد"، وهو إيوان فسيح ينفتح على صحن الدار. ويتوزّع على جانبيه دواليب حائطية مزخرفة بزخارف نباتية توضع فيها المشغولات الزجاجية. ويواجه المقعد الجهة الشمالية ليتلقّى الهواء البارد في الصيف. أما السقف فهو من براطيم خشبية مزخرفة بزخارف نباتية وهندسية مذهّبة. والبراطيم جمع بُرْطوم، وهو عبارة عن خشبة غليظة يُدعم بها البيت ويُسقف.
ومن المقعد ندلف إلى السلاملك، وهي قاعة الاستقبال الكبرى الخاصّة بالرجال. وقد فرشت هذه القاعة بوسائد وثيرة مكسوة بالجوخ المنقوش. وينقسم السلاملك إلى ثلاثة أجزاء. فهناك إيوانان موزّعان على جانبي القاعة، يحصران بينهما "درقاعة" في الوسط. والدرقاعة هي الردهة التي يتمّ من خلالها الدخول إلى غرف البيت، والتي تحفظ لأهل المنزل خصوصيتهم، فلا يطّلع أحد على عورات البيت. وهي تعريب لكلمة (درکاه) الفارسیة، المؤلفة من "در" بمعنى باب، و"كاه" بمعنى: "مكان".
ويحتوي كلّ إيوان على شبّاك كبير ومشربيات جميلة. ويطلّ أحد هذين الإيوانين على الواجهة الشرقية، في حين يطلّ الآخر على فناء الدار. وفي الإيوان الأخير سقف غنيّ بالزخارف الجميلة، وفيه إفريز مكتوب عليه أبيات من قصيدة البردة للبوصيري.
وفي الجانب الآخر من هذا الطابق توجد الحرملك (قاعة الحريم). وهي قاعة ذات سلّم منفصل تماماً. وتتميّز الحرملك بالمشربيات الجميلة والمنمّقة، التي تضفي نوعاً من البهجة والصفاء على قاعة الحريم، حيث يتسلّل من فتحاتها الضوء الصافي والهواء العليل. كما أنّ تلك المشربيات تفيد في كسر حالة الملل التي قد تعتري حريم المنزل، حيث يتابعن من ورائها كلّ ما يدور في صحن البيت أو في الحارات المحيطة به، من دون أن تنكشف وجوههن على أحد من المارة الغرباء. أما أغرب غرف المنزل فهي "حجرة الولادة"، ويوجد فيها عدد من المقاعد التي صمّمت بطريقة تسهّل عملية الولادة، وفي نهايتها فراش تستريح فيه المرأة بعد انتهاء عملية الوضع. أما الطابق الأعلى فهو طابق الضيوف، مخصّص للزوّار.
ولعل أهمّ ما يميز بيت الكريتلية هو "السبيل" الذي ألحق به لسقاية الناس. وهو يطلّ على الخارج بشباكين لمناولة الماء. ومن هذين الشباكين كان المزملاتي (خادم السبيل) يعطي الماء لمن يطلبه، حيث يغرف الماء من بئر عميقة تتوسط حجرة السبيل.
اقرأ أيضاً: ساحات الحمام: فسحة سكينة في قلب الصخب
أما بيت آمنة بنت سالم، فيشتمل على قاعة كبيرة ذات إيوانين، بينهما ردهة. وتوجد القاعة الكبرى في الطابق العلوي.
متحف جاير أندرسون
من تدابير القدر أنّ جاير أندرسون Gayer Anderson، الذي كان ضابطاً في الجيش الإنجليزي، وكان مولعاً بالآثار الإسلامية، تقدّم في عام 1935 بطلب إلى لجنة حفظ الآثار العربية، لمنحه حقّ الإقامة في بيتي الكريتلية وآمنة بنت سالم، بشرط أن يقوم بتأثيثهما على الطراز العربي الإسلامي، ويعرض فيهما مجموعته الأثرية النفيسة من المقتنيات الأثرية، على أن يصبح الأثاث ومجموعة الآثار ملكاً للأمّة المصرية بعد وفاته أو حين يغادر مصر نهائياً. ولما وافقت اللجنة على عرضه، أنفق أموالاً طائلة على شراء الأثاث والتحف، وتمكّن من جمع العديد من القطع الفنية التي تنتمي إلى عصور إسلامية مختلفة وأماكن متفرّقة، وزيّن بها البيتين.
وفي عام 1942 اشتدّ بأندرسون المرض، فرحل عن مصر، وحُوِّل البيتان إلى متحف حمل اسمه. وبقي البيتان ليصبحا من أبدع الأمثلة القائمة على طراز العمارة العثمانية، وليؤكدا خطأ بعض المؤرخين حول أنّ السلطان سليم الأوّل، بعد فتح مصر، جمع أكفأ الحرفيين والصناع وأكبر العلماء والتجار ونقلهم منها إلى الأستانة. فلو كان هذا القول صحيحاً لما شُيِّد بيت الكريتلية بهذا الجمال والعظمة والإبداع في غياب هؤلاء جميعاً.
وختاماً، فإن جمال هذا المتحف جذب الكثيرين من صناع السينما، ليتخذوا منه مكاناً لتصوير مشاهد من أفلامهم، مثل فيلم جيمس بوند الموسوم بـ "الجاسوس الذي أحبني"، والفيلم المصري "شهد الملكة".