خيمة "أم سعد"... في قلب دمشق

19 يونيو 2014
خيمة هذه المرأة عارنا
+ الخط -
هذه الصورة لسيدة تقيم منذ أكثر من سنة داخل هذه الكومة من الأكياس التي تغطيها مظلّة كبيرة، ولا يعرف أحد في الجوار أو من أصحاب المحلات عنها أيّ شيء... ولا حتى اسمها. فقط يعرفون أنّها جاءت من ريف حلب ذات يوم ماطر، وبدأت تضع أكياس رمل، وبعض قطع الخيش، وبعد فترة وجيزة جلبت هذه المظّلة الحمراء، وتطوّرت كومتها إلى أن باتت تشبه الخيمة..

الخيمة يسمّيها جارها صاحب المحل "خيمة أم سعد"، تيمّنا بخيمة أم سعد، في إحدى روايات الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني. وهي تتوسّط الشارع بين منطقتي المجهتد والبرامكة في قلب العاصمة. تمرّ بجانبها السيارات. إذ أنّها طريق فرعي قريبة من الطريق العام ومزدحمة بشكل دائم. لكنّ المرأة في داخلها تبقى على ثرثرتها، وتواصل سبابها بصوت عالٍ في وجه امرأة يعتقد الجيران أنّها ابنتها: "يلعنك يا نجوى".

تأكل السيدة الستينية مما يحسن به الجيران إليها من طعام وشراب. لا تغادر خيمتها أبداً إلا لقضاء حاجتها، منذ أكثر من سنة. تمارس اللعنات، وتطوّر "بيتها" الغريب بما يصل إلى يديها مما يحمله الجيران والعابرون، ورياح المدينة.

قذف الصراع الدامي في سورية، وهروب الأُسَر وضياعُ أفرادها، بسيّدات كبيرات السنّ إلى الشوارع فجأة. وقد كنّ، معظمهنّ، من مستورات الحال في بيوت تحت سقف الكرامة. هذا الذي يطلبه أيّ إنسان في هذا السنّ، .لم تشهد دمشق هذه المظاهر الغريبة إلا في السنوات الثلاث الأخيرة. فلا يكاد يخلو حيّ من سيّدات مشرّدات أو متسوّلات.

تبدو حال "أم سعد" أفضل من سواها. فقد باتت مستقرّة نسبيا داخل هذه الكومة. وصارت من سكّان الشارع، يعرفها المارّة، وأصحاب المحال التجارية، والجيران في الأبنية المجاورة. لكنّ كثيرات مثلها يذرعن الشوارع بحثاً عن لقمة طعام أو ثمن علبة دواء.

في المحصّلة تعرّضت المرأة السورية خلال الصراع الدموي الذي تعيشه البلاد إلى مختلف صنوف الظلم والانتهاكات والاعتداءات الجنسية والجسدية. وتم التنكيل بأمهات أمام أطفالهنّ وأزواجهنّ، وماتت نسوة تحت التعذيب. وتعرّضت للاغتصاب ما يزيد عن 7500 امرأة سورية، جلهنّ في مدينة حمص.

يقول أحد جيران أم سعد: خيمة هذه المرأة السورية هي عارنا، فلا يجب أن نصل إلى أن نكون مهجّرين في الشوارع ونحن في بلدنا، وممّن؟... من نظام كان من واجبه أن يحمينا لا أن يجعلنا مشرّدين وينتهك كرامات كبار السنّ ويقتل الشباب، ويهجّر أكثر من نصف الشعب. وأم سعد، الفلسطينية في رواية غسان كنفاني، هجّرها الاحتلال الإسرائيلي، أما هنا فقد هجّرنا من كنّا نظنهم إخوتنا وشركاءنا في الوطن.