خيط البؤس يجمع الشعوب العربيّة

16 سبتمبر 2015
ارتفاع حدة الاحتجاجات في الدول العربية (وكالة الأناضول)
+ الخط -
تتصاعد موجة جديدة من الاحتجاجات في الوطن العربي وتركز على المطلب الاقتصادي والاجتماعي المباشر، بدلاً من المطالب السياسية الخام. وقد فرض عدد من القضايا نفسه على الشوارع، من تحسين الخدمات ومحاربة التمييز والفساد والمحسوبية، إذ إن الفقر ليس وحده ما يحرّك المتضررين، بل أيضاً البؤس الذي بات يغلّف كل مظاهر الحياة. بؤس الاقتصاد، بؤس السياسات الاجتماعية، بؤس الأنظمة والسياسيين الذين يفرضونها. فقد صدّرت النخب شعارات إسقاط النُظُم دون النظر إلى سياساتها. حوكم المخلوع حسني مبارك في مصر على جرائم القتل وبرّئ منها، لكن سياساته وسياسات نظرائه في الدول العربية باقية وتتمدّد.
الخيط الرابط بين الاحتجاجات ومطالبها المباشرة لا يخفي ضرورة رحيل النظم واستبدالها بنظم أخرى، بل إن كل المطالب المباشرة التي تُرْفَع هي تعبير عن إخفاق الأنظمة التي تحكم الشعوب وتريد الاستمرار لتحقيق المزيد من النهب.

أمراء الطوائف

في العراق كما في لبنان، يتربّع نظام يوزّع موارد البلاد على أمراء الطوائف. ولكل طائفة من يساندها من قوى خارجية، وعلى رأس كل طائفة والٍ وأتباع، يستبدل الشكل السياسي للطائفة ويغيّر شكل الدولة الحديثة، ويستخدم هذا النمط السياسي لاستمرار بنية النظام. في هذين البلدين، يحاول من نزل إلى الشوارع كسر فريضة الولاء.
في ساحات وميادين بيروت وتونس وبغداد يتصاعد صوت الناس الرافض للفساد وسلطة المفسدين، قانون التصالح الذي يطبّق في تونس يُنسخ في مصر، أجور السكن في العواصم الثلاث يتجاوز نصف أجر من يصنّفون أنهم من الطبقة الوسطى. أسعار المساكن في تلك البلاد جعلت مواطنيها كالرحّل المغتربين ينقلون أغراضهم كل عام أو عامين من سكن إلى آخر. تتّصف العملية السياسية في البلدان الثلاث بالانسداد، تحكم الزعامات البلاد تحت قوة تكتلات المال وأصحاب المصالح ليستمر النهب.
مؤشرات الاقتصاد وواقع الحياة خيط رابط بين احتجاجات الشعوب، خيط الأزمات الممتد هو ما يجعل وقائع التظاهر وشعاراتها متشابهة. من خلال نظرة مقارنة إلى مؤشرات التنمية في بلاد الشرق الأوسط، نفهم الوضع بشكل أوضح، ونعرف لماذا تسود موجة احتجاجات جديدة. على مستوى المؤشرات، نجد ارتفاعاً في نسب البطالة حيث تتجاوز 25% وسط القادرين على العمل، حسب إحصائيات منظمة العمل الدولية. كما تتعرّض القوى العاملة إلى مخاطر عديدة، منها التسريح وانخفاض الأجر. وتلك المخاطر مرشحة إلى التصاعد في ظل سيادة علاقات عمل وتشغيل شديدة القسوة.

اقرأ أيضاً:المبشّرون بالثورة

أجور العمال

ففي مصر يُستعبد العمال تحت قانون العمل ويغلب على العاملين اشتغالهم في المؤسسات بعقود عمل مؤقتة. وفي تونس تزداد نسب من يعملون بعقود عمل هشّة. أما أجور العمال فهي لا تتناسب مع الحد الأدنى لتأمين متطلبات المعيشة الضرورية، كالسكن والانتقال. وهي وإنْ زادت تحت ضغوط الثورات العربية، إلا أن معدل الزيادات لا يعد ارتفاعاً حقيقياً في ظل ارتفاع معدلات التضخم. ناهيك عن عدم المساواة في الأجر، وهو الأمر الذي تتعرض له بشكل أكبر قطاعات واسعة من الشباب والعاملين الجدد، إذن نحن أمام معضلتي التهديد المستمر بفقدان العمل وانخفاض الأجر وعدم كفايته لمتطلبات المعيشة.

إلى جانب مؤشرات العمل، تقفز أمامنا مؤشرات التنمية الحضرية والتي تتعلّق بمدى توافر خدمات المياه والوقود والكهرباء والبيئة الصحية، وهذا المؤشر تراجع مع ازدياد الأزمات المالية لأغلب الدول العربية.
لم تجد حكومات الدول المأزومة اقتصادياً سوى تقليل الإنفاق الاجتماعي، فأصبحت معاناة الشعب متضخمة ولا يحتمل كل هذه الهموم المتراكمة. فلا خدمات صحية ولا عمل لائق، وازدياد في الأسعار ورائحة الفاسدين والقمامة تحاصر الناس وشوارعهم، فلماذا لا يحتج المجتمع؟
تستغرب الطبقات الحاكمة ومن يناصرها من غير المأزومين اقتصادياً، أن يخرج الناس للشوارع. في مصر تستمر التهديدات والتحريض ضد العمال واصفين إياهم بـ"البلطجية"، وفي بيروت يصفون المتظاهرين بـ"الفوضويين"، لا بل يطالبهم البعض بالتزام "إتيكيت" التظاهر!
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية/ جامعة القاهرة)

اقرأ أيضاً:قانون التقشّف والاستغلال للمصريين
المساهمون