قد يزهو مؤرخ منحاز للعلم وهو يردّد كيف أعادت الكنيسة في أوروبا الاعتبار للعالم الإيطالي غاليليو (1564- 1642)، بعد أن مات محكوماً عليه بالإقامة الجبرية بسبب دفاعه عن نظرية كوبرنيكوس –أُهملت هو الآخر أبحاثه طيلة حياته-، التي تقول بمركزية الشمس ودوران الكواكب حولها مع إضافاته وشروحاته حولها، وهي نهاية لا تُقاس بمصير جيوردانو برونو الذي حُرق عام 1600 لاعتناقه أفكاراً مشابهة.
منذ ذلك التاريخ، خرج العلم الذي كان أغلب رموزه رهباناً إلى الحياة العامة، وتسارعت الأمور رغم تباطؤها الظاهر، بتبنّي السلطة للبحث وتأسيس مجتمعات علمية بتقاليد وتراتبية وإنفاق عالٍ، ثم ظهرت الشركات بوصفها راعياً أساسياً للعلم ومنجزاته.
المجتمع العلمي الراسخ في الغرب كرّس مصطلحات كـ موضوعية وحيادية ونزاهة العلوم، وصوّر أن هناك معسكران متقابلان؛ أنصار العلم والمحافظين المعادين للتقدّم، رغم أن خيانات "العلماء" لصالح أنظمة فاشية لا تعدّ ولا تحصى، ولم تتوقّف حتى يومنا هذا.
اتكأت الشركات العملاقة على مفهوم "الثقة المطلقة" بالعلم وتفسيراته، حتى أنها روّجت أحط أشكال الدعاية لمنتجات تنقض الثقة للأبد، وعبر هذا المفهوم يُباد ملايين البشر ويجري التحكّم بالبقية.
لم يعد بالإمكان الحديث عن العلم بوصفه مجرّداً ومنزّهاً، إذا كان المسيطرون على المجمّعات الصناعية ومراكز البحوث والجامعات وحتى أصغر المدارس في العالم، هم: الملوك والرؤساء وأجهزة الأمن والشركات وهم يهمّشون المجتمعات والأفراد الذين لا يزالون يحلمون بمعجزات العلم.