لكن روحاني لقي دعماً لترشحه من رئيس المجلس الأعلى للتخطيط، الذي يضمّ معظم جبهات التيار الإصلاحي محمد رضا عارف. وهو ما ترافق مع بعض الانتقادات من قبل أحزاب إصلاحية دون أخرى، التي تصر هذه المرة على تمثيل تيارها بعيداً عن تيار الاعتدال. ومع تأخر إعلان المحافظين عن أسماء مرشحيهم، قررت معظم جبهات التيار المحافظ أن تجتمع تحت لواء ما بات يسمى بالجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية واختصارها "جمنا" بالفارسية، فعقدت اجتماعها الثاني قبل أيام، واختارت خمسة مرشحين باقتراع داخلي، وهي الأسماء التي ستمثل الجبهة في المراحل الأولية من السباق، وسينسحب أربعة من هؤلاء لصالح دعم مرشح واحد خلال المراحل المتقدمة من الاستحقاق الرئاسي.
وما حدث في اجتماع الجبهة الشعبية حمل مفاجآت لكثيرين، ولا سيما أن رجل الدين، سادن (خادم) العتبة الرضوية في مشهد، آية الله إبراهيم رئيسي، قد تصدّر نتائج الاقتراع ليحتل المرتبة الأولى من بين 20 اسماً، تلاه النائب المحافظ السابق علي رضا زاكاني، الذي ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2013، ولم تمنحه لجنة صيانة الدستور الأهلية، مما أخرجه مبكراً من السباق.
وحل في المرتبة الثالثة السياسي المحافظ الشاب، مهرداد بذرباش، الذي كان مستشار الشؤون الاجتماعية للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وتلاه عمدة طهران محمد باقر قاليباف، الذي خاض الانتخابات الرئاسية الماضية ووصل لمراحل متقدمة منها. أما المرتبة الخامسة فتغير اسم صاحبها مرتين، فأعلنت الجبهة عن حصول برويز فتاح عليها، الذي سبق أن تولى مناصب في مؤسسات تابعة للحرس الثوري كما كان وزير الطاقة في حكومة نجاد، لكن البرلماني السابق، وزير التربية في حكومة نجاد أيضاً، حميد رضا حاجي بابايي، شكك بنتائج الفرز التي جاءت متقاربة بينه وبين فتاح، فتم عدّ الأصوات من جديد لتعلن الجبهة عن حصول بابايي على مقعد المرشح الخامس.
لكن اسم رئيسي حقق الصدى الأكبر، لدرجة أن غالبية المواقع الإيرانية توقعت بأنه سيكون المنافس الأشرس والذي قد يطيح بروحاني بعد دورة رئاسية واحدة. فالرئيس الحالي فشل في تحقيق وعوده، ولا سيما الاقتصادية كما يرى المحافظون والمواقع المحسوبة عليهم والتي باتت تركز على هذه الثغرات، علّ رجل الدين الأصولي صاحب العمامة السوداء، ينتصر على الشيخ الدبلوماسي ذي العمامة البيضاء.
تأخر رئيسي في الإعلان رسمياً عن قبول الترشيح، وهو الذي لم يحضر اجتماع "جمنا" الخميس الماضي، بسبب الزلزال الذي ضرب قرى محيطة بمدينة مشهد شمال شرقي البلاد، بحسب ما نقل مقربون منه، فأصدر بيانه الرسمي يوم الأحد، ليفيد بأنه "قرر قبول هذه المسؤولية"، في وقت تشهد فيه بلاده عدداً من التحديات والمشكلات. واللافت كان استخدامه لمصطلح أنه "لن يترشح كممثل عن أي تيار"، وهو ما أوضحته الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية في وقت لاحق عبر إصدار بيان أوضح ما يعنيه رئيسي، حيث أفادت بأن شعار الجبهة يركز على تحقيق الوحدة والانسجام والعمل كفريق لا التركيز على الأحزاب والخلافات.
بدورها اعتبرت بعض صحف الإصلاح، ومنها صحيفة "اعتماد"، أن رئيسي قرر خوض السباق كمحافظ مستقل بعيداً عن "جمنا"، التي ستكون مضطرة للتركيز على دعم شخصية أخرى لاحقاً وهي واحدة من الأسماء الأربعة المتبقية، وهذه الاستراتيجية قد تحصد له أصواتا أكثر.
وقد اقترح رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون السابق، عزت الله ضرغامي، الذي كان مرشحاً محتملاً عن الجبهة الشعبية، لكنه لم يحصل على الأصوات الكافية للوصول لواحدة من المراتب الخمس الأولى، استبدال اسم رئيسي بهذه الحالة، فضلاً عن اسم فتاح الذي تم التشكيك في عدد الأصوات التي حصل عليها، وهو ما حصل أخيراً.
رئيسي، البالغ من العمر 57 عاماً، تولّى مناصب حقوقية وقضائية هامة في الجمهورية الإسلامية، وقد درس في الحوزة العلمية في مشهد وقم، وحصل على شهادة الدكتوراه في الفقه من جامعة شهيد مطهري. وفي عام 1980 تسلّم رئيسي منصب رئيس النيابة العامة في منطقة كرج، غربي العاصمة طهران، ليصبح بعدها المدعي العام عن ذات المنطقة، وبعد ذلك بات مدعياً عاماً في محافظة طهران بين العامين 1989 و1994، وأصبح بعدها رئيس دائرة التفتيش لمدة عشر سنوات. ومنذ عام 2004 حتى 2014، كان رئيسي مستشاراً ومساعداً لرئيس السلطة القضائية، وأصبح بعد ذلك المدعي العام الإيراني، ثم عينه المرشد الأعلى علي خامنئي سادناً عن العتبة الرضوية بعد وفاة واعظ طبسي.
برز اسم رئيسي مرة حين خرجت تسريبات مسجلة نشرها أحمد منتظري، نجل رجل الدين الراحل آية الله حسين منتظري، وقد انتقد هذا الأخير في التسجيل المنسوب له الإعدامات التي نفذتها لجنة الموت بحق سجناء سياسيين في عام 1988. وهي اللجنة التي كان رئيسي عضواً فيها ذاك الوقت، فسجن منتظري الابن، لكن تدخل المرشد الأعلى علي خامنئي ووساطة أحد المراجع الدينية جعلاه يحصل على عفو.
كما ذكرت تسريبات نقلتها بعض المواقع أن اسم رئيسي مطروح بين أسماء رجال الدين ممن يمكن أن يشغلوا كرسي القيادة في إيران مستقبلاً، لتمتعه بمعظم الشروط الدينية والسياسية، وقد ترجح الكفة لصالحه بحال قرر مجلس الخبراء منح هذا المنصب لرجل دين محافظ متوسط العمر.
وبعيداً عن هذا، يبدو أن رئيسي سيركز على إخفاقات حكومة الاعتدال الحالية، ليحصل على أصوات الشارع الإيراني، في محاولة لتوسيع دائرة مؤيديه، علّها تشمل بعض داعمي المعتدلين، وربما ينجح بهذا بحال تفرقت الأصوات بين الإصلاحيين والمعتدلين. وفي حال انصبت جهود المحافظين بالكامل على دعمه، يتوقع المراقبون للشأن الداخلي الإيراني أن تتحول المنافسة لصراع شرس بين قطبين، وهذا إن وصل رئيسي لنهائيات السباق، وبات الخيار الأول لغالبية المحافظين.
على ضفة أخرى ما زال قرار جبهة ثبات الثورة الإسلامية، وهي إحدى الجبهات المحافظة، غير واضح، فلم تدعم قرار "جمنا" بوضوح، كما أكدت مصادر عديدة احتمال دعمها للأمين السابق لمجلس الأمن القومي، المفاوض النووي المتشدد سعيد جليلي، الذي رفض أن يكون اسمه تحت لواء "جمنا" حالياً.
وقد تم تأسيس جبهة الثبات عقب تشكيل المؤيدين لنجاد لتيار جديد اختلف مع بقية المحافظين سماه البعض بتيار الانحراف، وآخرون وصفوه بتيار المحافظين الجدد، فتشكل الثبات على هيئة جبهة محافظة متعصبة متشددة بعيدة عن المنتمين لتيار الانحراف، وتختلف مع محافظين آخرين، وتضم أعضاء من الحكومة السابقة لنجاد ويعد رجل الدين محمد تقي مصباح يزدي زعيمها الروحي.
ويتزامن هذا مع دعم أحمدي نجاد لمدير مكتبه السابق، حميد بقائي، الذي أعلن رسمياً ترشحه للانتخابات الرئاسية المرتقبة كمرشح مستقل بعيد عن كافة الأحزاب. وجاء هذا بعد أن نصح المرشد علي خامنئي نجاد نفسه بعدم خوض السباق، فقرر هذا الأخير دعم شخصية من مؤيديه ما زال الجدل يدور حولها، فقد تم اعتقاله قبل عامين تقريباً لارتباطه بقضايا لم يتم الإفصاح عنها، وأطلق سراحه بكفالة مالية، ليكون واحداً من دائرة نجاد التي تضم شخصيات متورطة بقضايا فساد واختلاس وغيره، وهو ما قد يهدد قبول ترشحه ومنحه الأهلية من قبل صيانة الدستور.